مكمن الخطورة في محاولة الاعتداء الآثم ليلة الخميس الماضي.. أنها دشنت مرحلة جديدة من مراحل العمل الإرهابي في السعودية، مبنية على تصور تكفيري منحرف يقوم على استحلال دماء المسؤولين وأعوانهم وجلسائهم، وكل من رضي بهم وقبل حكمهم..
بمعنى.. أن القاعدة (أو من وراءها)، قد تخلوا بهذه العملية القذرة عن شعارات المراحل السابقة لمخططاتهم الدنيئة، (نحن نستهدف الغربيين المحاربين، نحن ندفع الصائل، هدفنا الجهاد في العراق.. إلخ)، وتبنوا بدلاً منها منهج أسلافهم الخوارج الذين استباحوا دماء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهج معاصريهم من جماعة التكفير والهجرة من أمثال جماعة مصطفى شكري وأتباعه الذين اغتالوا وزير الأوقاف المصري السابق (محمد الذهبي) أواخر السبعينات الميلادية الماضية في عملية إرهابية قذرة اختطفوا فيها عالماً جليلاً واغتالوه بدم بارد، مستبيحين دمه، وهو من هو في العلم والدعوة والإصلاح..!!
ولنتأمل بعمق كيف استجاز الإرهابيون واستباحوا دماء كافة الحاضرين في مجلس سمو مساعد وزير الداخلية من عامة الناس ومن رجال الأعمال وعلماء الدين، بل وحتى العاملين في الضيافة - الخدمة - إذ إن التفجير الآثم لو تم كما خطط له المجرمون لأتى على أرواح هؤلاء.
وفي هذا دلالة واضحة على خروج هذه الفئة عن قواعد الشريعة وعدم اكتراثها مطلقاً بنصوص الوحيين، وإعراضها عن أقوال على العلماء من السلف والخلف القائلين بتصريح هذا النوع من القتل العشوائي الجماعي حتى ولو كان سيقع في حقوق الكفار والمقاتلين فما بالك.. وهو يقع في ديار التوحيد والملة والدين!!
وإذا وصل الضلال التكفيري بأصحابه إلى هذا المستوى من العمى فليس ببعيد أن يستهدفوا علماء الشريعة الذين أفتوا بضلال جماعات الغلو وفندوا شببههم على الملأ، وبينوا ضلالهم وخروجهم عن هدي السلف الصالح، وليس بعيداً أيضاً أن يستهدف هؤلاء المجرون حملة القلم ورجال الإعلام وكافة الشخصيات المثقفة التي أسهمت في حملة التنوير والتوعية بخطر التطرف على مقدرات الوطن، ووجوب محاربة أسبابه والقضاء على دواعيه.
إن العملية فيها إشارة إلى التحول التكتيكي في نهج القاعدة (ومن وراءها) القائم على استهداف الرموز بدل المباني.. واغتيال الأفراد بدلاً من الجموع..
وهو بقدر ما يدل على نجاح جهود الأجهزة الأمنية في تفكيك التنظيم، وبعثرة أوراقه، وإفشال مخططاته الكبرى.. بقدر ما يحمل هذه الأجهزة مسؤولية جديدة في تبني وسائل مواجهة فكرية وأمنية تتوازى مع هذا التحول الخطير.
وفي ظني أن حجم المعلومات والحقائق الذي تملكه الأجهزة الأمنية حول تنظيم القاعدة ولم تفصح عنه حتى الآن - لأسباب تقتضيها المصلحة العامة - يشكل أحد أهم أدوات المواجهة في المرحلة المقبلة. إذ إن نشر القصة الكاملة لتأسيس التنظيم وفضح الأفراد والجهات (وربما الدول) التي تدعمه، وبيان الأهداف والأماكن والتجمعات التي كانت مستهدفة لعملياتهم المحبطة، وإيضاح كيفية اختراق هذه الفئة المجرمة واستغلالها العمل الخيري النبيل! وفضح زيف ادعائهم للتقوى والصلاح.. أقول إن توفير ما يمكن من هذه الحقائق والمعطيات سيكون وسيلة لزيادة عزلة هؤلاء وتضييق نطاق تحركاتهم، وبالتالي يساعد أيضاً جهود الحملات الوقائية التي تقوم بها المؤسسة الدينية والإعلامية والتربوية لمناهضة التطرف في المجتمع.
كما أن المسارعة في تنفيذ الأحكام الشرعية الصادرة بحق عناصر التنظيم المتورطين في قضايا داخلية، سيؤدي بإذن الله إلى كسر شوكتهم، وإخفاق جهودهم في التجنيد واستمالة الشباب الأغرار إلى صفوفهم.. ذلك أن إظهار الحزم في الحق والقوة في تطبيق الشرع كفيل بإذن الله في بث المهابة والخوف في نفوس المتعاطفين مع أرباب الفكر الضال. ولنا في خلفاء المسلمين عبر التاريخ أسوة حسنة.
وهذا الحدث كشف للجميع حجم الخبث والدهاء الذي يتسم بها هؤلاء المتطرفون، وأبان بجلاء كيف يستغلون (الثقة) في (الدمار).
وكيف يوظفون المشروعية في (العدوان)..
وكيف يمتطون (الكذب) إلى (الخراب)..
وكيف يجعلون من السمات الحميدة في الشخصية المستهدفة وسيلة لتحقيق مآربهم (المحرمة)!
وقد يكون منهم اليوم من تستر بجلباب طلاب العلم ليتمكن من التأثير سلباً في توجهات من هذا العالم أو ذاك!
وقد يكون منهم من نال ثقة المحسنين ورجال الأعمال وأهل اليسار فانهالت عليه التبرعات (للإحسان) إذ هي تذهب (للإرهاب)؟!
وقد يكون منهم من تسنم زمام منبر تربوي أو دعوي أو إعلامي ووظفه للدفاع عن هؤلاء بشكل أو آخر؟!
ولست هنا أدعو لإساءة الظن بالجميع - معاذ الله - ولكنني أدعو للفطنة والتروي وإعمال الفكر والنظر عند التعامل مع من يشتبه في تعاطفهم أو انتمائهم أو دعمهم (من حيث لا يشعرون أحياناً) لجماعات الفكر الخارجي الضال..
حمى الله بلادنا من كل مكروه.. وأدام أمنها وأمانها في ظل ولاة أمرها القائمين على تطبيق شرع الله حتى مع من ينازعهم الحكم!...