Al Jazirah NewsPaper Saturday  05/09/2009 G Issue 13491
السبت 15 رمضان 1430   العدد  13491
الأمن الوطني والإقتصادي
فضل بن سعد البوعينين

 

هل يمكن تحقيق الأمن الاقتصادي بمعزل عن الأمن الوطني؟، وأيهما أكثر أهمية لتحقيق الأمن الشامل الذي لا يمكن العيش دونه؟. الحقيقة أن العلاقة بين الأمنين الاقتصادي والوطني متداخلة لا يمكن الفصل بينها، وإن قدم بعض المفكرين أحدهما على الآخر. فلا أمن وطني دون أن يتحقق الأمن الاقتصادي، ولا ديمومة للاقتصاد ما لم تتوفر متطلبات الأمن الرئيسة. القرآن العظيم أكثر دقة في رسم العلاقة بين الاقتصاد والأمن، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا}، فقدم الله سبحانه وتعالى الأمن على الرزق (الاقتصاد)، في مواضع كثيرة، وقدم الاقتصاد على الأمن في موضع آخر، وهو أمر غاية في الأهمية من حيث العلاقة التكاملية المتداخلة. قال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} فقد جاء الإطعام مقدما على الأمن، وفي موضع آخر، قال تعالى {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} وعن دعوة إبراهيم عليه السلام: قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}؛، وفي الابتلاء، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} وبالتدقيق في الآيات السابقة نجد أن الله سبحانه وتعالى ربط بين الأمن، والرزق (الاقتصاد)، فقدم الأمن على الرزق في مواضع كثيرة لأهميته، واستحالة العيش دونه وإن شبع الإنسان وامتلأت خزائنه بالذهب والفضة. فالأمن غاية المجتمعات، وركيزة نموها وتقدمها، ومن خلاله يمكن تحقيق النمو والازدهار، وبناء الحضارة، ونشر الإسلام، والمحافظة على المقدسات ودور العبادة، والحرية الإنسانية التي كفلها الله لعبادة وفق ضوابطه الشرعية.

بالأمن تقام شرائع الله، وتحفظ الضروريات الخمس التي لا تستقيم الحياة دونها وهي: الدين، العقل، المال، النفس، و العرض؛ وبه تنتشر الدعوة السلفية الصادقة النقية، وتتحقق مقاصد الدين الحنيف، وتتحقق الألفة والمحبة بين عباد الله في أرضه.

ومن هنا نقول إن كل من ساهم في تقويض الأمن، وسعى في جر البلاد والعباد إلى ويلات الدمار، إنما يحارب الله ورسوله ويسعى إلى إضعاف الأمة، واستباحة مقدساتها، وضرب اقتصادها الذي تعتمد عليه بعد الله في تحقيق متطلبات الأمة، ودعم الإسلام والمسلمين. الأمن يعني السلامة والرزق معا، وهو ما يضمن بعد الله المحافظة على الدين في أطهر البقاع قاطبة، وهو لم يعد هما خاصا برجال الأمن فحسب، بل هو مسؤولية الجميع. نحن شركاء في هذا الكيان العظيم، وإرهابيوا القاعدة، وغيرهم، إنما يستهدفونا جميعا من خلال استهدافهم الأمن والاقتصاد، وبصفة خاصة رموز الوطن. مكافحة الإرهاب ليست نشرة عاجلة توزع في أوقات الأزمات، بل هي إستراتيجية طويلة الأمد ينبغي أن يشترك في تنفيذها العلماء، الخطباء، رجال الدين، المفكرين، الأسر، والمدارس والجامعات بإيمان تام، وعزيمة وإصرار. هزيمة الإرهاب تحقق النصرة للدين والمجتمع على دعاة الضلال وناشري الكفر والفساد.

نبل الأخلاق في مواجهة المكر والغدر

كان حديث الأمير محمد بن نايف، مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، للانتحاري عبدالله عسيري، حديث المحب المشفق النقي من الكذب والخديعة، حتى في ما يتعلق بالجزاءات المتوقعة. كان لافتا دقة الأمير محمد وصدقه، وعدم تقديمه لضمانات لا يمكن تحقيقها مستقبلا فيما يتعلق بالحق الخاص. وهو أمر لا يمكن حدوثه في الدول الأخرى. هناك فارق كبير بين الدول البوليسية التي لا تحفظ عهدا، ولا تخاف الله فيما تفعل، ودولة الإسلام التي تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى تطبيق الشريعة،و إقناع أبنائها بالعودة والمحافظة عليهم والعفو عنهم لا قتلهم.

الأمير محمد بن نايف، المستهدف بالعملية الانتحارية، وفي لفته إنسانية حانية، وإشارة تدل على نبل الأخلاق وكرم النفس، بادر يوم أمس الأول بالاتصال شخصياً بأسرة المنتحر عبدالله عسيري، لتعزيتهم. الأمير محمد أكد لأسرة الانتحاري بأن {الدولة لا تأخذ المواطنين بجريرة ما يرتكبه أبناؤهم وأنها دوماً تفتح أبوابها لكل من لديه رغبة العودة لطريق الحق والصواب، و أن توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تقضي بالتعامل الحسن والمثالي مع جميع العائدين إلى جادة الصواب}.

رسالة واضحة وصريحة لأبناء هذا البلد المُغرر بهم بأن يعودوا إلى جادة الصواب، وأن يهجروا شياطين الإنس ممن حاكت حول رقابهم حبائلهم السامة، وأن يقارنوا بين المحب المنصح المشفق، وبين الفاسد الظالم الذي يتحين الفرصة لاستغلالهم وضرب دولة الإسلام، وقبلة المسلمين بهم.

F.AL BUAINAIN@HOTMAIL.COM



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد