Al Jazirah NewsPaper Saturday  05/09/2009 G Issue 13491
السبت 15 رمضان 1430   العدد  13491
هل طلب الواسطة أمر مقبول؟
عبد الله بن راشد السنيدي

 

الواسطة أو الشفاعة تعني مساعدة أحد الأشخاص في تحقيق هدف معين في وقت سريع وقد تؤدي الواسطة في جانبها السلبي إلى تجاوز بعض الإجراءات أو القيود النظامية.والواسطة غالباً ترتبط بالأعمال الإدارية وهناك مفهوم شائع بين الناس..

بأن إنهاء إجراءاتهم ومعاملاتهم لا يتحقق إلا بالواسطة فالشخص الذي يرغب التوظيف لن يحصل له ذلك إلا إذا كان له معرفة أو واسطة تساعده للحصول على الوظيفة والشخص الذي له معاملة في جهة حكومية أو غيرها لن تنتهي تلك المعاملة إلا بالواسطة، والشخص الذي سوف يسافر بالطائرة لن يحصل على مقعد بها إلا بالواسطة والمواطن الذي سوف ينشئ له منزلاً لن يحصل على رخصة البلدية إلا بالواسطة ولن يصل التيار الكهربائي أو الهاتف أو أنابيب الماء إلى منزله إلا بالواسطة، والمريض الذي يرغب العلاج لن يتوافر له سرير بالمستشفى إلا بالواسطة، بل لقد بالغ البعض في مفهوم الواسطة إلى درجة أن بعضهم يلجأ إليها عند تسديد الفواتير وإنهاء إجراءات السفر أو القدوم؛ حتى لا يكلف نفسه الوقوف في الطوابير المنظمة ونحو ذلك.

إذاً ما هي الواسطة وهل هي مشروعة أم ممنوعة؟ وهل هي ظاهرة؟

الواسطة - كما ذكرنا - تعني المساعدة في تحقيق رغبة الشخص من قبل أحد أقاربه أو معارفه في إنهاء إحدى المعاملات أو الإجراءات الإدارية، وهي تعرف في الشريعة الإسلامية بالشفاعة وهي السعي في قضاء حاجات الناس ومصالحهم التي تكون عند الآخرين، والرسول - صلى الله عليه وسلم - وُعِد من المولى - عز وجل - بأن يشفع لأمته يوم العرض الأكبر؛ فالشفاعة في الإسلام تكون لأصحاب الحاجات المباحة وخصوصاً العاجزين والمحتاجين {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا} إلا أن الشريعة الإسلامية لا تقر الواسطة أو الشفاعة التي تؤدي لتعطيل الأحكام أو الأنظمة{(وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا}؛ فالرسول - عليه الصلاة والسلام - اعترض على قريش لما جاءته للشفاعة في عدم إقامة حد السرقة على المرأة المخزومية حيث قال قولته المشهورة لأسامة بن زيد - رضي الله عنه - الذي وسطته قريش لمفاتحة رسول الله في الأمر: (أتشفع في حد من حدود الله، إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، والشأن كذلك في الأنظمة الوضعية المعاصرة فهي لا تجيز الواسطة التي تضر بالآخرين فهذه الأنظمة أو القوانين وردت بنصوص عامة ومجردة يتم تطبيقها على من تتوفر لديه شروطها وضوابطها ولم يرد بها استثناءات من ذلك كما لم يرد بها ما يعرف بالواسطة؛ وذلك لأن الواسطة السلبية تؤدي إلى الإرباك في العمل الإداري وإلى عدم دراسة المعاملات بشكل جيد وإلى الإخلال بمبدأ العدالة والمساواة وإلى تقعيد هذه العادة وتعويد الناس عليها، كما أن إعمال الواسطة في كل شيء يعتبر مظهراً غير حضاري ودليلاً على الاتكالية وعدم الثقة.

إذاً فالواسطة أو الشفاعة تكون في الأمور التي لا تؤدي إلى تعطيل الأنظمة أو مخالفتها أو الإضرار بحقوق الآخرين، وفي المملكة تعتبر الواسطة السلبية التي تؤدي إلى تعطيل الأنظمة في حكم الرشوة فقد ورد في نظام مكافحة الرشوة (كل موظف عام طلب لنفسه أو غيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته ولو كان مشروعاً يعد مرتشياً ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات وبغرامة لا تزيد على مليون ريال أو بإحداهما).

وعليه ينبغي أن تكون الواسطة محصورة في الإجراءات العادية وفي توضيح الأنظمة للخاضعين لها بحيث تتم إفادة المواطن بما يجب أن يقوم بعمله لإنهاء معاملته، والواسطة بهذا المفهوم لا تقتصر على أحد دون أحد بل ينبغي تعميمها لكافة المراجعين الذين يطلبونها حتى ولو أدى ذلك إلى شيوعها فإنه لا غبار عليها بل قد تكون مطلوبة عندما يكون المراجع غير ملم بالأنظمة والتعليمات أو الإجراءات، أما الواسطة التي تخالف الأنظمة والتعليمات أو تقدم أحداً على آخر بدون وجه حق فهي مرفوضة، فالمواطن الذي يرغب الحصول على وظيفة رسمية دون مسابقة أو بدون قواعد المفاضلة بين الخريجين ويبحث عن واسطة لمساعدته في ذلك يعتبر طلبه غير نظامي ولن يجد مَن يساعده في ذلك، والموظف الذي يرغب عن طريق الواسطة في ترقيته بصفة استثنائية وبدون معايير المنافسة مع زملائه الآخرين لن يجد مَن يساعده في ذلك؛ لأن الأمر في التعيين والترقية محكوم بمعايير واضحة، فضلاً عن مبادئ العدالة والمساواة المطلوب العمل بها في هذا المجال ونحوه، إضافة إلى ذمة وضمير المسؤول المطلوب توسيطه في الموضوع الذي لن يسمح له بتفضيل موظف على آخر من دون وجه حق، والمواطن الذي يرغب إقامة منزل له بدون الحصول على رخصة من البلدية يكون تصرفه غير مقبول، وهكذا.

لذلك فإنه ينبغي عندما يكون لأي منا معاملة لدى أي جهة أن يسلك الطرق النظامية لمتابعتها فإن كانت تلك الطرق والإجراءات أو الأساليب غير واضحة لنا فلنلجأ لمن يوضحها لنا؛ إذ إن كثيراً من المعاملات تنتهي من دون الحاجة إلى أن نبحث عمَّن يساعدنا في إنهائها؛ وعليه فإننا بهذا الأسلوب نكون قد سلكنا الطريق الصحيح في متابعة المعاملات وفي نفس الوقت وفرنا وقت وجهد الآخرين، الذي قد يبذل بدون حاجة إليه. إننا نقول ذلك؛ لأن كثيراً من الإخوة عندما يكون لأي منهم معاملة أو موضوع في جهة إدارية، سواء كانت هذه المعاملة سهلة أو صعبة، يلجأ فوراً لمَن يساعده في إنهائها وقد لا يكتفي بشخص واحد بل يلجأ أحياناً إلى أكثر من شخص لمساعدته في إنهاء معاملته وكأن القاعدة في إنهاء المعاملات هي الواسطة أو المعرفة.

نعم قد يكون هناك نوع من الواسطة المرفوضة ولكنها تتم في حالات محدودة ومحصورة في بعض الأمور غير المنظمة بنصوص وقواعد واضحة.

إن التعليمات التي تصدر في بلادنا في هذا الصدد تؤكد باستمرار ضرورة خدمة المراجعين والعناية بمعاملاتهم ومن ذلك القرار الذي يقضي بأن على كل وزير أن يخصص يوماً أو أكثر في الأسبوع لاستقبال المراجعين والنظر في معاملاتهم، كما أنه يوجد في كل وزارة أو مصلحة حكومية مكتب لخدمة المراجعين فلماذا القلق ولماذا نلجأ في كل مرة إلى طلب المساعدة في إنهاء معاملاتنا ما دام أن العملية قد نظمت وأن معاملاتنا سوف يتخذ عليها الإجراء المناسب دون أن نلجأ إلى أحد لكي يساعدنا في إنهائها؟ ثم إنه لو حدث تأخر في اتخاذ الإجراء المناسب حيال معاملة معينة بسبب الإهمال أو اللامبالاة فإنه بإمكان صاحبها اللجوء إلى الوسائل المشروعة كأن يقوم بتقديم شكوى للمشرف على الجهة الإدارية التي توجد بها معاملته والذي سيقوم دون شك باتخاذ الإجراء الذي يضمن سير المعاملة ومعاقبة المتسبب في تأخيرها.

asunaidi@mcs.gov.sa



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد