الوليمة هي ما يصنع من طعام عند العرس ونحوه، وهي مأخوذة من الولم، وهو الجمع، سميت بذلك لأنها تجمع الناس، وهي سُنّة مؤكدة، وذهب قوم من أهل العلم إلى وجوبها في العرس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتركها وأمر بها كما في قول عبدالرحمن بن عوف لما تزوج: (أولم ولو بشاة)، والأصل في الأوامر الوجوب وهذا هو الصواب، ولا يتعين في الوليمة اللحم، بل ما تيسر من خبز وحيس وإدام ونحوه، كما في وليمة النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج صفية بنت حيي، وفي هذا بيان للأمة بعدم التكلف في الولائم؛ فلم يأمر صلى الله عليه وسلم بذبح الإبل أو الغنم مع قدرته على ذلك، لكن إن وجد اللحم فهو أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم كما تقدم (أولم ولو بشاة)، والاجتماع على الولائم سواء كانت وليمة عرس أو غيرها فيه مصالح عظيمة لما يحصل فيه من التآلف والتعارف بين الأقارب والجيران وإظهار الفرح والسرور بما حصل من الزواج وشكر الله تعالى على تيسيره، وحضورها من حق المسلم على أخيه كما جاء في الصحيح (وإذا دعاك فأجبه).
وقد ثبت في الحديث الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قوله صلى الله عليه وسلم (إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها) متفق عليه، ولمسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله)، وهذه الأدلة عامة سواء وليمة العرس أو غيرها، وأما من خصها بوليمة العرس فيرده عموم الأدلة فلا وجه للتخصيص؛ فهذه الأحاديث فيها الدلالة على وجوب إجابة الدعوة إذا خص بها، وهذا الوجوب يسقط في حالات منها:
الحالة الأولى: إذا لم يخص بالدعوة، بل كانت دعوة عامة من شاء حضر ومن شاء لم يحضر فلا تجب عليه.
الحالة الثانية: إذا كان في الوليمة منكر فلا تجب الإجابة بل لا تجوز إلا إذا قدر على إزالة المنكر كما قال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ}
الحالة الثالثة: ألا يكون في الوليمة إسراف وتبذير فإن حصل فلا يجب الحضور لقوله تعالى: {وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، وقوله تعالى: {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا}
الحالة الرابعة: إذا كان هناك تأخر في تقديم العشاء فيحصل السهر الذي يفضي إلى إضاعة الواجب كصلاة الفجر فهذا عذر يبيح ترك الحضور لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها، وهذا السهر إلى قرب منتصف الليل زيادة على الحديث ويفضي إلى إضاعة صلاة الفجر.
الحالة الخامسة: إذا كان عليه ضرر في دينه أو بدنه أو ماله فلا يجب الحضور لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار).
الحالة السادسة: إذا اعتذر إلى الداعي بعدم الحضور وأذن له فيسقط حينئذ وجوب إجابة الدعوة.
أما إذا كانت الدعوة عامة وليست خاصة فلا تجب عليه الإجابة فإن شاء حضر وإن شاء لم يحضر.
والواجب في إجابة الدعوة هو الحضور وليس الأكل؛ فالأكل مستحب لأنه أجبر لخاطر الداعي وأكمل في الإجابة، ويدل على ذلك ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليصل وإن كان مفطرا فليطعم)، وفي رواية له من حديث جابر (فإن شاء طعم وإن شاء ترك)، وأيضا من الأحكام المتعلقة بالولائم أن من دعي عدة دعوات فإنه يقدم السابق بالدعوة وإن كان بعيدا.
ولا بأس بجعل الدعوة على عدة أيام إذا دعت الحاجة إلى ذلك لكثرة المدعوين أو لأسباب أخرى، ويراعى في هذا عدم الإسراف والتبذير، وقد ترجم البخاري بقوله: ومن أولم سبعة أيام ونحوه.. إشارة إلى جواز ذلك، وأيضا جاء عن حفصة بنت سيرين قالت: لما تزوج أبي دعا الصحابة سبعة أيام، وفي رواية ثمانية أيام، أخرجه ابن أبي شيبة، أما حديث ابن مسعود الذي رواه الترمذي وفيه (طعام الوليمة أول يوم حق، وطعام يوم الثاني سنة، وطعام يوم الثالث سمعة، ومن سمع سمع الله به) فهو حديث غير محفوظ وفي صحته نظر وقد تكلم عليه أهل العلم وبينوا ضعفه، فلا بأس من تقسيم الوليمة إلى أيام إذا دعت الحاجة إلى ذلك بشرط عدم الإسراف والتبذير. ومن فضل الله علينا في هذه البلاد وجود الجمعيات الخيرية التي تستقبل فائض الأطعمة فيتم حفظها وإعدادها وإيصالها للمستحقين، فلا يعذر أصحاب الولائم بعدم حفظ النعمة والاتصال بتلك الجمعيات ولاسيما أن ذلك ميسر ولله الحمد والمنة.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
* عضو الجمعية الفقهية السعودية
Dajani1000@hotmail.com