من النواميس الآلهية في الكون أن يدلف المسنون في ذلك الملكوت الأبيض من السكينة والهدوء والانقطاع عن العالم الخارجي، حيث يخلفون العالم الخارجي بجميع صبواته وصباباته، أحلامه وطموحاته خارجاً، وتبدأ الذاكرة بالتخفف والتحلل من حمولتها المنهكة التي تراكمت عبر السنين.
لكن هذا الفراغ قد تصاحبه وحشة ويتبدى به بعض من أعراض جانبية سلبية أهونها النسيان والاكتئاب، لأناس كانوا لنا يوماً سقفاً وجنحاً ومتكأ وسطوة وقراراً، فكيف نحتضن وحشتهم ونرفع دونهم ودون مخالب الزمن عوازل من رحمة وود وتواصل؟.
أمام هذه الحيرة انطلق مشروع (الجمعية السعودية الخيرية لمرض الزهايمر) بأهدافها وبرامجها وطموحاتها والفئة المستهدفة في خدماتها، مستهدفة ليس فقط مريض الزهايمر بل أهله وجميع من يرعاه، لتكثيف الوعي حول هذه المرحلة ودعم من يمرون بها, في ظل ثقافة مجتمعية لطالما فسرت هذه المرحلة كمحصلة طبيعية أو أنها مع الأسف حالة أحياناً قد يصاحبها بعض التندر، دون وعي بأن العلم الحديث استطاع أن يحتوي هذه المرحلة ويقدم لها الكثير لتجاوز صعوباتها والتغلب على متاعبها.
فالجمعية السعودية لمرضى الزهايمر تسعى من ناحية إلى استثمار العديد من أساليب الإدارة الحديثة بهدف خلق عمل مؤسساتي منتظم قادر على أن يتجاوز مرحلة الشفقة والعطاء الموسمي وتحويله إلى عمل راسخ قادر على تلبية جميع احتياجات المسن المصاب على الصعيد النفسي والجسدي.
ومن ناحية أخرى لن يتوقف عمل الجمعية هنا بل سيتجاوزه إلى تقديم الدعم والمشورة لعائلات المصابين من خلال حلقات وصل تكون بين عائلات المصابين والمراكز المتخصصة.
هذا بالتأكيد سيكون قائماً على التنسيق بين الجهات الحكومية المختصة والمستشفيات والمراكز ذات العلاقة.
أيضاً سيكون من الأهداف تطوير وتنمية مهارات العاملين في مجال مرض الزهايمر واطلاعهم على المستجدات العالمية في هذا المجال. لنصل في النهاية إلى الطموح الأكبر الذي يتمثل في إرساء القواعد التأسيسية لإنشاء أول دار تمريض متخصصة لمرضى الزهايمر ونادٍ صحي واجتماعي للمرضى ومن يرعاهم.
جميع هذه الحقول الواعدة والشتلات المترقبة، ما كانت ستوجد لولا إرادة المؤسسين، ونبع التدفق والعطاء والحرص والمتابعة المتمثل في (سمو الأميرة مضاوي بنت محمد) التي استطاعت بدأب لا ينقطع أن تستجلب هذا المشروع من أرض الأحلام، وتفعله على أرض الواقع بطموحات شاسعة وروح خضراء. يبقى علينا أن نلتف حول هذا المشروع وننهض كالشجر الوارف لنقي أحبتنا الذين تسلل إليهم المرض وتقلبات الدهر وأنياب الزمن.