المحاولة الفاشلة لاغتيال سمو الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية لدلالة واضحة على استمرار استهداف تنظيمات وجماعات الارهاب (أو لنكن أكثر دقة الخوارج من جماعات التطرف والبغي والضلال والغلو) للمملكة العربية السعودية حكومة وشعباً منذ عام 1996م.
الهدف الحالي للمحاولة الفاشلة لا يختلف عن بقية الأهداف الارهابية والاجرامية السابقة لتنظيم القاعدة وعناصره وخلاياه سواء من حيث الفحوى أو المضمون، وإن اختلف من حيث المستوى المستهدف من تلك العملية.
فمحاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف، وهو على مثل هذا المستوى القيادي الرفيع مؤشر واضح على يأس تنظيم القاعدة وبلوغه مرحلة اليأس والقنوط والتخبط بعد أن تمكنت الحملات الأمنية السعودية بضربات استباقية ميدانية فاعلة بقيادة الأمير محمد بن نايف من القضاء على معظم خلايا تنظيم القاعدة النشطة بل وحتى النائمة، كما وتمكنت القبضة الحديدية الأمنية من تشتيت شمل زعامات التنظيم وقضت على موارد دعمه المادية والمعنوية.
لكن محاولة تنظيم القاعدة اليائسة للانتقام من القيادات السياسية والأمنية تهدف من جانب آخر إلى إرسال رسالة عالية على هذا المستوى الرفيع ليثبت فيها وجوده. لكن إرادة الله تعالى وحكمته أبت أن يحقق المجرمون والإرهابيون أهدافهم المغرضة والمشبوهة خصوصاً في شهر رمضان المبارك، فأعلت كلمة الحق وجماعته الإسلامية على كلمة الضلال وأهله المرتدين.
الواضح حتى الآن أن الخوارج الذين فشلوا على مدى التاريخ من تحقيق أهدافهم المغرضة ومصالحهم المشبوهة ضد الإسلام والأمة الإسلامية سيبقون في خانة الفشل الذريع، ولن ينجحوا اليوم ولا غداً في تحقيق تلك الأهداف والمصالح الموبوءة. فهم يحاولون من الداخل إثارة الفتن والقلاقل والحروب والصراعات في جسد الأمة الإسلامية، بل ويتآمرون مع أعداء الأمة من الخارج على إضعاف الإسلام والمسلمين ويوقعون بينهم وبين الدول والأمم الأخرى إمعاناً في محاولات الإضعاف تلك.
فالخوارج الذين خرجوا على الخليفة الرابع علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- في معركة صفين، هم ذات الخوارج الذين قدموا من بلدين مختلفين لاغتيال الخليفة الثالث عثمان بن عفان- رضي الله عنه-. صحيح أنهم نجحوا في تحقيق أهدافهم بقتل الخليفتين غيلة وغدراً، ولكنهم فشلوا في إضعاف الإسلام والمسلمين وتشتيت شملهم.
المحاولة إذن بالطبع يمكن النظر إليها على أنها محاولة انتقام من الرجل الأمني الحديدي الذي لعب دوراً استراتيجياً في تصفية عناصر تنظيم القاعدة وخلاياه ومصادر دعمه، لكن في ذات الوقت تعتبر تلك المحاولة الفاشلة تغيرا استراتيجيا نمطيا في الإستراتيجية الارهابية للعمليات الإرهابية. لذا تعد المحاولة تحولا وتغييرا نوعيا خطيرا يتوجب التعامل معها بدقة وفعالية واستراتيجية أمنية محكمة.
من جانب آخر فإن الربط بين حقائق الماضي والحاضر تؤكد أن ظهور عناصر إرهابية ومتطرفة متعلمة ومثقفة ذات خبرة وممارسة ومكانة، كما اتضح من خلية الـ44، يعني ظهور حقيقة إرهابية جديدة تشير إلى أن تنظيم القاعدة تمكن أيضاً من اختراق عقول بعض ممن ينتمون إلى شريحة المتعلمين والمثقفين، لكن من ذوي المرجعية الدينية المتطرفة أو المتعاطفة مع فكر التنظيم التكفيري الضال.
من هنا فإن الإدارة الاستراتيجية لمواجهة حقائق الارهاب الجديدة لا تقل أهمية عن التخطيط الاستراتيجي لمنعه من تحقيق أهدافه سواء تلك التي ترمي إلى وضع العالم الإسلامي في خط مواجهة وصراع مع الدول والشعوب الأخرى، أو سعي التنظيم الحثيث لتجنيد فئة من فئات المجتمع الشابة أو غيرها للتفجير أو الاغتيال. من هذه الاستراتيجية فتح حوار واع ومثمر وشفاف مع الشباب على كافة المستويات خصوصاً العلمية في المدارس والجامعات لمنع تسرب جراثيم الضلال والتطرف والغلو الإرهابي الإجرامي إلى عقولهم النضرة.
www.almantiq.org