قبل أقل من 24 ساعة على صدور عدد الخميس الماضي من جريدة (الجزيرة)، والذي ذكرت فيه، تعليقا على العملية الأمنية الاستباقية التي أدت إلى القبض على 44 عنصراً من العناصر الإرهابية، ما نصه: (في الجانب التمويلي أيضا أعتقد أن الشبكة ربما ركزت على العمليات التفجيرية متدنية التكلفة التي تعتمد على التقنية والفكر التدميري، والتي لا تحتاج إلى مواجهة مباشرة مع رجال الأمن... أي أننا نتحدث عن حماية أفراد مجموعات موجهة لزراعة متفجرات في أماكن محددة، ربما أمكن بعض أفراد الشبكة من الوصول إليها دون إثارة الشبهات)؛ قبل انقضاء ذلك اليوم أقدم أحد الإرهابيين من قائمة المطلوبين الـ85 على محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف، مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، غدرا بعد أن أمنه واستقبله في منزله. تدعي (القاعدة) في بيانها أنها (حققت اختراقا أمنيا)، والحقيقة أنها استغلت باب الرحمة، والثقة، وحفظ الكرامة، والعفو الذي فتحه الأمير محمد للتائبين ولطخته بدماء الغدر والخيانة. أسلوب تعامل الأمير محمد بن نايف مع التائبين المليء بالرحمة، والثقة؛ المحافظ على كرامة التائبين برغم خطأهم في حق أنفسهم ووطنهم وشعبهم، كان يمثل ثغرة أمنية تهدد سلامته، إلا أنه أصر على الاستمرار في تطبيق نهجه في التعامل مع التائبين برغم المخاطر. عناية الله أحاطت بالأمير محمد فأنجاه من يد الغدر التي أرادت به شرا. قال تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}. وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله (إِيَّاكَ وَمَكْر السَّيِّئ فَإِنَّهُ لَا يَحِيق الْمَكْر السَّيِّئ إِلَّا بِأَهْلِهِ وَلَهُمْ مِنْ اللَّه طَالِب).
تنفيذ العملية الإرهابية الانتحارية بواسطة متفجرات زرعت في جسد الإرهابي نفسه، أو في جهاز الجوال تكشف عن تطور نوعي للفكر التفجيري الذي تحدثت عنه سابقا، وتؤكد أيضا أن هناك من ينتقي الأهداف، ويصنع المتفجرات بطريقة هندسية متطورة لأفراد الجماعات الإرهابية لضمان قوة التأثير ونجاح العملية.
فشل الجماعات الإرهابية في استهداف مكونات الاقتصاد، وعلى رأسها، مجمعات إنتاج وتكرير النفط، قادهم إلى تطبيق الخطة البديلة في استهداف شخصيات سياسية أمنية تمكنهم من تحقيق عنصر المفاجأة، والعودة إلى دائرة الضوء من جديد.
غالبية أفراد الجماعات الإرهابية ليسوا إلا أدوات تُحركها أصابع الاستخبارات الأجنبية المستترة، وفق أجندة محددة يجهلها كثير من معتنقي فكرة القاعدة. كنا نعتقد أن منظري القاعدة قادرون على تجنيد الشباب، والمراهقين، إلا أن كشف وزارة الداخلية عن وجود بعض من حملة الدكتوراه ضمن المجموعة الإرهابية الأخيرة نسف ذلك الاعتقاد. ساعد تنظيم القاعدة في إضعاف الأمة الإسلامية من حيث اعتقد مؤيدوه والمتعاطفون معه قدرته على مواجهة قوى الشر. وهو يسعى جاهدا لضرب مهد الرسالة المحمدية، وأرض الحرمين، وحصن الإسلام المنيع، وحماة الدين السلفي الصحيح. المواجهة الفكرية والأمنية مع الإرهابيين المتوشحين بعباءة الدين لا تعدو أن تكون حمايةً للدين من إرهاب المفسدين، وهو أمر غاية في الأهمية.
لم ينجح اليهود في تشويه دين الإسلام، وسمعة المسلمين في العالم كما فعل تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية. ولم تستطع المذاهب المنحرفة، والجماعات البدعية والشركية من التمدد في المجتمعات السلفية لولا نشاط القاعدة الإرهابي، ولم تستطع الدول الاستعمارية من تنفيذ خططها في الدول العربية والإسلامية لولا حماقة الفكر القاعدي المنحرف. الحرب على القاعدة، والجماعات الإرهابية هو حماية للدين والمسلمين من أعدائه الحقيقيين..
لماذا الأمير محمد بن نايف؟
استهداف الأمير محمد بن نايف هو استهداف للوطن، ومؤسساته الأمنية، السياسية، والاجتماعية. الأمير محمد بن نايف هو رأس الحربة التي اخترقت صدور عصاة الإرهابيين، وقضت على زعمائهم وأفرادهم، ومموليهم، ومن الطبيعي أن يكون هدفا لقادتهم، إلا أن استهداف الأمير محمد بن نايف يحمل في طياته جوانب غامضة من نهج الإرهابيين الإجرامي، وهو ما يستوجب الكشف عنه لمصلحة التائبين والعائدين إلى الحق من الجماعات الضالة. استطاع الأمير محمد بن نايف أن يحمل بندقية الأمن في يد، وفكر المفاوض المحب المشفق لأبناء وطنه في يد أخرى.
نجاح الأمير محمد في الجانب الفكري التفاوضي، وتأثيره على كثير من أفراد الجماعات الإرهابية وإقناعهم بالعودة إلى الحق وتسليم أنفسهم والاستفادة من العفو الملكي الكريم، وتدخله لحل مشاكل بعضهم في الخارج والعودة بهم إلى أرض الوطن، ورعاية التائبين ودعمهم بالمال، وحضور مناسباتهم الاجتماعية، ورعاية أسر الإرهابيين والفصل التام بينهم وبين ما يقترفه أبناءهم، كل ذلك ساعد في فضح ادعاءات تنظيم القاعدة، وزيادة أعداد التائبين، والمنشقين عن الجماعات الإرهابية، إضافة إلى ما أحدثه فكر الأمير محمد من تأثير مباشر في انحسار عدد المجندين الجدد وما ألحقه من ضرر مباشر في تنظيم القاعدة.
أحدث الأمير محمد تغييرا في إستراتيجية مكافحة الإرهاب، ومزج بين القوة والرحمة، والظفر والعفو، والشدة والسماحة، والاعتماد على النهج الأمني، الفكري، والتفاوضي المتوازن الذي يضمن تحقيق الأهداف بأقل الخسائر، ويفتح الباب واسعا أمام العائدين والتائبين من المطلوبين، ويحفظ لهم حقوقهم. كل ذلك أفسد على قادة الجماعات الإرهابية، ومحركيهم من الجماعات الاستخباراتية، مخططاتهم، وأضعف موقفهم وسيطرتهم، ما جعلهم يستهدفون الأمير محمد شخصيا لإغلاق باب (الانشقاق القاعدي) وقطع الطريق على التائبين ممن اكتشفوا زيف إدعاء الجماعات الإرهابية.
استهداف الأمير محمد هو استهداف لجانب (رحمة الأمن)، والفكر المنفتح، والركن المنيع الذي يقصده التائبون العائدون من مغارات الظلام.
الأمير محمد بن نايف هو عراب الحرب على الإرهاب؛ وهو ورجال الأمن، قادرون بإذن الله على هزيمة الجماعات الإرهابية، وحماية البلاد والعباد من شرورهم، إلا أنه يُصر على تقديم توبة أفراد الجماعات الإرهابية على مواجهتهم، والكلمة السواء على الطلقة القاتلة وهو مالا يريده قادة التكفيريون أعداء أنفسهم، وأفراد جماعاتهم، والإسلام والمسلمين. فليبقَ باب العودة مفتوحا للتائبين، ولتُرفع معدلات الحذر من غدر الغادرين، وليصدح العلماء، الخطباء، والمفكرين بالحق الأبلج، ولتستشعر الأمة الخطر المحيط بالإسلام والمسلمين، ولتواجهه بكل ما أوتيت من قوة؛ فلا عذر لأحد بعد اليوم. والله المستعان.
* * *
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM