تناقلت بعض وسائل الإعلام، والمواقع الإخبارية على شبكة الإنترنت أخبار تعاقدات الدعاة المشهورين مع المحطات الفضائية. لا تخلو تلك الأخبار من شبهة التعريض بالدعاة لحصولهم على مبالغ مالية ضخمة نظير ما يقدمونه للمشاهدين..
..من آراء فكرية ومواضيع عادة ما ترتبط بالشؤون الدينية على وجه الخصوص. بعض تلك المعلومات تأتي مبتورة، وغير مكتملة ما يُرجح تعمد الإساءة فيها للدعاة؛ وبعضها تجد فيها المبالغة الممجوجة التي يهُدف من خلالها الإثارة على حساب الحقيقة المجردة.
بعض الدعاة الأخيار نجحوا في جعل برامجهم الدينية الفضائية الأكثر مشاهدة على مستوى العالم العربي، وبعضهم أصبح المطلب الرئيس للمشاهدين والمحطات الفضائية على حد سواء. ما يتمتع به علماؤنا الأجلاء من علم واسع، ومصداقية، وسلامة المعتقد، ووضوح الرؤية وشموليتها هو ما دفع ببرامجهم الفضائية إلى قمة تراتيب المتابعة، وزخم الاتصالات الهاتفية التي لا تنقطع بنهاية بث تلك البرامج بل تتواصل على مدار الساعة. برامج الدعاة أصبحت من البرامج الرئيسة التي تتسابق المحطات الفضائية على عرضها في شهر رمضان المبارك، وأصبحت تحظى بنسب مشاهدة عالية، وتفاعل كبير مقارنة بالبرامج الأخرى.
نسبة المشاهدة المرتفعة للبرامج تضمن للمحطات الفضائية دخلا عاليا من الإعلانات التجارية، ودخلا آخر من الرسائل النصية، وتساعد في تحسين صورتها، وكسب شرائح إضافية من المشاهدين، ما يضمن بقاءها وارتفاع نسبة مشاهديها مما يضمن لها استمرارية الإعلان، وارتفاع ثمنه؛ لذا فإن دفعت تلك المحطات أجوراً عالية للدعاة فهي تدفع ثمنا مستحقا لا صدقة جارية، وهي تأخذ أضعافا مضاعفة مما تدفعه لهم. هذا من جانب، ومن جانب آخر فبعض الدعاة، لا يتسنمون وظائف حكومية أو خاصة تكفل لهم دخلا ثابتا يعينهم على مواجهة متطلبات أسرهم الحياتية ما يجعلهم أحق بثمن ما يقدمونه من جهد وعمل وتفرغ لبرامجهم المميزة من سواهم؛ ومع ذلك يمتنع كثير من الدعاة عن طلب مقابل لظهورهم الإعلامي، فتتجاهل بعض القنوات حقوقهم المالية المشروعة. هناك فارق كبير بين الندوات العامة والأنشطة الاجتماعية، والمساهمة في التوجيه والإرشاد العام، أو المشاركة في برامج التلفزيون السعودي الرسمي، وبين التعامل مع برامج المحطات الفضائية التجارية التي تعتمد الربح معيارا لبقائها.
اجتهد الدعاة منذ بداية تحصيلهم العلمي على الجد والمثابرة، والانقطاع عن العالم، واعتزال الأعمال التجارية، ومصادر الكسب، وبعضهم دفع لعلمه وتحصيله، ومشاركاته العامة ثمناً باهظاً من حياته، أفبعد هذا يُلمز الدعاة على حق مشروع اكتسبوه بعلمهم، ودفعوا ثمنه من وقتهم ووقت أسرهم؟.
من وجهة نظر خاصة لا أرى حرجاً في تقاضي الدعاة ثمنا لعقودهم مع المحطات الفضائية، وإن كانت برامجهم دينية صرفة، فهم يستحقون ما يحصلون عليه بل إنهم يستحقون أكثر من ذلك بكثير، ويغلب الظن على ألا تعارض في الجمع بين المصلحتين الدنيوية والأخروية.
كنت أتمنى أن تدقق وسائل الإعلام فيما يتقاضاه المنتجين نظير نشرهم البرامج المسيئة، أو عقود احتكار الفنانات والمغنيات الخيالية، أو ما يُدفع لبعض زعماء العالم المتقاعدين نظير إلقائهم محاضرة في بعض المنتديات الاقتصادية لا تتجاوز مدتها ساعة واحدة، وما يترتب عليها من نفقات الطائرات الخاصة، تفوق بكثير عقود الدعاة مجتمعين في عام واحد. أو ما يدفع لقنوات الفتنة التي باتت تمثل معول هدم للقيم والأخلاق.
بقي أن أقول إن الجزء الأكبر من أموال عقود بعض الدعاة في المملكة العربية السعودية تذهب لأعمال الخير، وبعضها تدفع بأكملها للجهات الخيرية، وفضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة، وفي تعقيبه على أخبار عقود الدعاة، أكد لجريدة (اليوم) أنه لم (يتقاضى من مجموعة MBC الإعلامية أي مبالغ مالية مقابل ظهوره الإعلامي)، وإن (ما يصل للبرنامج من رعاية إعلانية يذهب الفائض منه عن تكلفة الإنتاج إلى جهات خيرية من خلال الشيخ العودة بالاتفاق مع مجموعة ال MBC وهي تبرعات معلنة في وسائل الإعلام).
للدعاة (المستقلين) حق فيما يقدمونه من جهد وخير عبر المحطات الفضائية، ويفترض ألا يتحرجوا من قبول أجره والإعلان عنه، فهو جزء من عملهم، وربما كان مصدر الدخل الوحيد لبعضهم، فكما يأخذ القاضي والإمام والمؤذن ومعلم العلوم الشرعية في المدارس والجامعات أجرا على عملهم فمن باب أولى أن يحصل الدعاة على حقوقهم، من المحطات التجارية، كاملة غير منقوصة.
جاء في الحديث الصحيح (أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء، فيهم لديغ أو سليم، فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راق، إن في الماء رجلا لديغاً أو سليماً، فانطلق رجل منهم، فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء، فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرا، حتى قدموا المدينة، فقالوا: يا رسول الله، أخذ على كتاب الله أجرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله)).
وجه الإرهاب القبيح
المحاولة الآثمة لاستهداف صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية كشفت عن وجه الإرهاب القبيح الذي مازال مستتراً عن القلة الباقية من المتعاطفين.
الأمير محمد بن نايف هو رأس الحربة التي أخرجت المفسدين من جحورهم وقضت على جماعاتهم الإرهابية ومازالت توجه لهم ضربات موجعة.
نحمد الله أن سلم الأمير محمد بن نايف ونحمده أن فضح المجرمين بجماعاتهم المختلفة ممن يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا.
جزى الله فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام خير الجزاء على خطبته الجامعة وتفاعله مع محاولة الاعتداء بفكر العلماء الحكماء وإشادته من على منبر الحرم بحربة الأمير محمد التي جمعت بين القوة والرحمة والحزم والفكر والتواضع.
كل ما أرجوه أن يقوم باقي العلماء والخطباء ورجال الدين والمفكرين بدورهم المأمول وأن يصدحوا بالحق الذي لا يخالطه لبساً ولا شبهة, وأن يكشفوا زيف جماعات الضلال والإرهاب التي مازالت تتخفى بعباءة الدين وهو منهم براء.
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM