صدر تقرير صندوق النقد الدولي عن الاقتصاد السعودي والذي بشر بتوقع حدوث انكماش بمقدار (1) بالمائة للعام الحالي 2009 ويعتبر هذا التقرير دورياً ويخضع للمراجعة بين فترة وأخرى أي أنه لن يكون نهائياً بقدر ما يتابع التطورات الاقتصادية والمؤثرات التي توجه دفة الاقتصاد السعودي.. وقد استند التقرير على تراجع إنتاج النقط بمقدار 10.3 بالمائة عن العام الماضي، حيث يعتبر حجم الإنتاج هو الأساس لقياس مقدار النمو وليس السعر بينما نتأثر حقيقة بحجم الإيرادات خصوصاً في سلعة ناضبة كالنفط فإن إنتاج أقل وبسعر جيد أفضل من إنتاج كبير وبسعر رخيص لأن المحافظة على الثروة النفطية يأتي من خلال تقليص حجم الإنتاج لزيادة العمر الافتراضي لهذه الثروة وبمعدلات الإنتاج الحالية التي تقف عند 8 ملايين برميل وبمتوسط سعر 60 دولاراً تكون احتمالات العجز بالميزانية لهذا العام ضعيفة أكثر من أي وقت مضى حتى لو ارتفع الإنفاق الحكومي عن الميزانية المتوقعة للعام الحالي عند 475 مليار ريال خصوصاً أن أسعار السلع والمواد انخفضت بشكل ملفت مما يعني تغيراً بتقديرات تكاليف المشاريع عن السابق.
ولكن الملفت بتقرير الصندوق أنه يتوقع بذات الوقت نمو القطاع غير النفطي بمقدار 3.3 بالمائة نتيجة زيادة الإنفاق الحكومي خصوصاً الاستثماري الذي قدر بحدود 45 من ميزانية العام الحالي وبالرغم من أن الفصل في طبيعة اقتصادنا من حيث النشاطات نظرياً ممكنة إلا أنها بنهاية المطاف لا تعتبر منطقية فالاقتصاد واحد وقياساته يجب أن تكون ككتلة واحدة ومن المعروف أن القطاع غير النفطي يمثل 45 بالمائة من الناتج الوطني فإن المحصلة النهائية يجب أن تعطي نمواً بمقدار 1.5 إلى 1.8 بالمائة للاقتصاد السعودي لهذا العام وقد قلل وزير المالية سابقاً من أي توقعات بانكماش الاقتصاد محليا حيث اعتبر توقعات الصندوق متشائمة حيال أسعار النفط وهنا نجد نظرتين مختلفتين حول آلية تحديد معايير النمو فالصندوق ينظر للإنتاج والمالية لدينا تنظر للأسعار.
وعلى اعتبار أن احتياطات المملكة المالية كبيرة جداً ولن يتأثر الإنفاق الحكومي بتراجع إيرادات النفط عن نظيرها للعام الاستثنائي 2008 م فإن مستويات الإنفاق الحكومي المرتفعة وكذلك ارتفاع مستوى السيولة بالبنوك وقدرة مؤسسة النقد على ضخ المزيد منها كلما دعت الحاجة فإن العوامل المسببة للكساد تعتبر منفية بنسبة كبيرة جداً باستثناء استمرار تحفظ البنوك على الإقراض للقطاع الخاص العامل الذي سيحد من ارتفاع حجم النشاط الاقتصادي.
لكن يبقى الإنفاق الحكومي هو المحرك الرئيسي لعجلة الاقتصاد دائماً وسينعكس إثر هذه السياسة المالية التوسعية على نمو الاقتصاد إجمالاً مما سيعوض تراجع أسعار النفط بينما سنرى حلحلة بتمويل القطاع الخاص بعد فترة قصيرة عندما تطمئن البنوك لوضع الاقتصاد العالمي والمحلي تدريجياً خصوصاً لقطاعات التصدير حيث يلاحظ بالفترة الأخيرة ارتفاع مستوى الحركة التجارية عالمياً عن الربعين السابقين لكن الحذر سيبقى قائماً لنهاية العام الحالي وإن كانت حدته خفت عن السابق كثيراً.
إن الحديث عن الكساد لدينا لا يبدو دقيقاً لأنه اعتمد مبدأ تقسيم الاقتصاد إلى جانبين نفطي وغير نفطي وهذا لا يعتبر صحياً لبناء تقييم واقعي لحركة الاقتصاد السعودي فهو يبقى كتلة واحدة والاختلاف بأرقامه الداخلية مسالة طبيعية كحال أي اقتصاد آخر وهذا ما جعل الصندوق يضع توقعات إيجابية لمستقبل الاقتصاد السعودي بنهاية المطاف ولكن يبقى للعناوين تأثيرها النفسي وهذا ما يجعلنا ننتظر الرد عليها من قبل وزارة المالية ومؤسسة النقد لتفنيدها وإيضاح الصورة الحقيقية لواقع اقتصادنا حتى لا تتأثر مستويات إنفاق المستهلكين وحركة الائتمان وكذلك حجم التدفق الاستثماري الداخلي والخارجي بشرايين الاقتصاد. ويبدو أن أول المتأثرين كالعادة أسواق المال التي هبطت بنسب قوية خلال الأسبوع الفائت منتظرة إشارات مطمئنة، فهل ستبقى جهاتنا الاقتصادية صامتة حيال هذا التقرير أم أننا سنسمع ردوداً عليها عاجلاً وليس أجلاً؟.