البطالة مشكلة عالمية تعاني منها الكثير من الدول، هذا حق، ومن الطبيعي أن تتفاقم هذه المشكلة مع وطأة آثار الأزمة المالية العالمية التي تعاني منها الكثير من الدول في الوقت الحالي. لكن الوضع غير الطبيعي أن يوجد بطالة بين القوى العاملة في بلد يفد إليه يومياً مئات الآلاف من العمالة الوافدة من مختلف الجنسيات والأعراق. هذا الوضع يتطلب من المعنيين في أجهزة الدولة وفي القطاع الخاص تحمل مسؤولياتهم نحو تصحيحه حفاظاً على حقوق الأجيال الحاضرة والمستقبلة وفقاً لإجراءات عملية تلزم الجميع، وتستند إلى التحليل المنطقي لأسباب المشكلة والمبادرة في إيجاد الحلول المناسبة لها.
فمن أوجه الخلل سهولة الاستقدام، وتعدد قنوات تدفق العمالة على المملكة تحت غطاء الزيارة العائلية أو التجارية. إضافة إلى تدفق العمالة المتخلفة والمتسللة ووجود من يؤويها ويسهل لها الإقامة غير المشروعة ويساعدها على العمل.
ومن أوجه الخلل أيضاً تولي الوافدين مناصب قيادية في القطاع الخاص يتمتعون بسلطة وصلاحيات رب العمل، والهيمنة على قطاعات كثيرة من الأعمال تحت غطاء التستر، ورخص أجور العمالة الوافدة وعدم مقدرة المواطن على منافستها.
كما يعد ضعف معدل الأجور والحوافز من أبرز أوجه الخلل التي تقف حائلاً في وجه طالبي العمل من الشباب السعوديين لانعدام الجدوى في الاستمرار بالعمل دون تحقيق أي طموح مادي ومعنوي يؤمن لهم سبل العيش الكريم.
تلك أبرز أوجه الخلل التي يعاني منها سوق العمل السعودي، وغيرها أمور أخرى. لكن التساؤل يثور حول الحلول المناسبة لتصحيح الوضع!.
نحن نعتقد أن تصحيح الخلل يمكن أن يتم بتطبيق الإجراءات التالية:
1- اقتراح وضع حد أدنى للأجور لا يقل عن ثلاثة آلاف ريال سعودي لجميع الخاضعين لنظام العمل من سعوديين ووافدين مع التأمينات الاجتماعية تطبيقاً للمادة التاسعة والثمانين من نظام العمل لتشجيع واستقطاب أكبر عدد ممكن من طالبي العمل السعوديين.
2- تطبيق إجراءات انتقائية متدرجة تجعل من الاعتماد على العمالة الوافدة (في بعض المجالات) التي تشهد إقبالاً من الشباب السعوديين ومزاحمة من الوافدين، أمراً مكلفاً بفرض رسوم جديدة، أو رفع رسوم الإقامة.
3- فرض السعودة بنسبة 100% في المجالات التي يمكن أن تنجح فيها كما هو الحال في شركات الأمن التي تم سعودة الوظائف بها بالكامل رغم ضعف المزايا والشروط المجحفة لدى بعضها والتي تمنح منسوبيها رواتب تقل عن 2000 ريال سعودي فقط ودون أية مزايا أو تأمينات اجتماعية.
4- حصر صلاحية منح تأشيرات العمل المؤقتة والموسمية بوزارة العمل فقط. ومراقبة القادمين من أجل الزيارة التجارية والعائلية لضمان عودتهم في الوقت المحدد وتطبيق الغرامات المالية على من يخالف ذلك.
5- إلغاء شرط الخبرات السابقة عند الإعلان عن العمل، وفرض نظام التدريب على رأس العمل أسوة بما تطبقه الكثير من الدول.
6- مراجعة إسهامات صندوق الموارد البشرية ودراسة توجيه برامجه نحو أنشطة أخرى.
إن النتيجة المتوقعة لهذه الإجراءات ستكون جذب المزيد من الشباب السعوديين لسوق العمل، ووضع رب العمل أمام خيارات واسعة من المتقدمين. وفي نفس الوقت قد تكون هناك نتائج سلبية وقتية على المستهلك جراء توقف بعض المنشآت التي تدار من قبل العمالة الوافدة عن العمل، لكن يتوقع أن تحل محلها منشآت جديدة وبفكر وإدارة جديدة. فنتمنى على سبيل المثال لو تقلص عدد الصيدليات المؤجرة على بعض الجنسيات العربية المعروفة والتي ساهمت في الارتفاع المستمر لتكلفة الدواء في السوق السعودي. ونتمنى سعودة تجارة الهواتف المحمولة المجاورة لوزارة العمل والتي تستهوي ألباب الكثير من الشباب لولا أن العمالة الوافدة المرابطة في تلك المحلات سدت الطرق أمامهم.
أخيراً يبقى القول إن تنظيم سوق العمل حق سيادي لأي دولة، ولا يتعارض مع أية التزامات دولية بما في ذلك التزامات منظمة التجارة العالمية التي استبعدت مسائل العمل والإقامة من قوانينها، وأبقت فقط على الانتقال (المؤقت) لمقدمي الخدمات وفقاً لما تسمح به الدولة المضيفة.