قبل عشر سنوات كتبت أن (طاش ما طاش) - وكان هذا اسمه في ذلك الوقت، وقبل أن تحذف الما وطاش الثانية - أن هذا المسلسل الذي كان يعرض حينها في التلفزيون السعودي، معرض للهروب إلى محطات تلفزيونية تبث من الخارج، وذلك نتيجة الرقابة الصارمة التي فرضت على حلقاته والنقد الكبير الذي واجهه التلفزيون السعودي حينها بسبب عرض حلقات وصفت بالجريئة.
اليوم يعود طاش في دورته الرمضانية السادسة عشرة، بعد 17 سنة من عرضه الأول، حيث توقف العام الماضي، يعود و(العيال كبرت)، وأصبحت نجومية طاش تتفوق على الكل بعد أن حرَّض حركة الأعمال الكوميدية والدرامية المحلية، وعودة طاش اليوم تأتي مصحوبة بالكثير من الزوبعة والنقد لحلقاته القادمة، والحقيقة أنه ليس نقد ولكنه (إنكار) يسبق العرض والمشاهدة.
نحن الآن في بداية صخب رمضان السنوي درامياً، حيث يشكك في مسلسل أو حلقة أو مشهد فكاهي وترسل الأوصاف والانتقادات الحادة وأحياناً التكفير للنجوم والمخرج والكاتب والمصور ومهندس الصوت لهذا العمل أو ذاك، من مصدر مجهول وهوية غائبة، وهو أمر يحدث - أيضاً - باستمرار مع الصحفي أو الصحيفة، مع مؤلف أو فنان أو مبدع، مع كل من يقوم بعمل وإنتاج غير تقليدي.
وفي حالة طاش تعود نفس الصورة، حيث تتسرب حلقة أو جزء منها، أو سيناريو لمشهد، ومن ثم يطير بجزء من الخبر أو الصورة مجتهد معارض، ليخطف لقطة أو جملة خارج السياق العام أو الفكرة لمجتهد آخر وهكذا، ليدندن على أنغامها بشكل حاد قبيلة الأصدقاء المجتهدين، ثم تتحول إلى قضية رأي عام، ليلحق بهم آخرون لا تتوفر لهم مواقف شخصية، وإنما يسيرون في مسيرة قطيع (الإنكار) والمطالبة بإيقاف عرض هذه الحلقة أو تلك، والطريف أنها مطالبات بلا تفاصيل، لكنها بلا شك تجعلنا ننتظر بشغف مشاهدة تفاصيل عمل عائد بقوة.
طبعاً طاش عمل إبداعي كوميدي وظاهرة فنية تتجاوز المحلية إلى العربية بامتياز، لكن أيضاً هذا السلوك وردود الأفعال المسبقة هي ظاهرة ملفتة تتكرر مع أكثر من عمل إبداعي فني، وحتى مع مقال أو رواية، حيث دائما (الإنكار) المبني على مواقف سابقة من الأشخاص أو حتى الأماكن، وأي إنتاج فكري يكسر التقليدية مهما تكن صيغته..
لكن يبدو أننا دخلنا مرحلة جديدة تتجاوز الإنكار، إلى (الإنكار المسبق) للأشياء التي لا نرتاح لها أو الأشخاص الذين لا نفضلهم!
أتمنى لكم شهراً مباركاً ورمضان كريماً، ومشاهدة ممتعة..
إلى لقاء
****