التسارع الكبير الذي تشهده التقنية الحديثة يعمل بشكل كبير على تفعيل دور المتلقي، حيث تجاوزنا في هذا العصر (النخبوية) ليظهر الشعبي الذي بات الآن صانعاً ومشاركاً في إنتاج الرسالة، فلم يعد مستقبلاً فقط، كما كان في السابق، يبحث عن المعلومة من النخبة الذين يمتلكون العلم كله.
ذلك الزمان يا سادتي ولى، وبروز الشعبي كما يطرح عبد الله الغذامي في تناوله لثقافة الصورة، وكما تناوله فهد العرابي في محاضرة متخصصة يؤكد على مقدرة كل متلقٍ على المشاركة، والقدرة على المشاركة التي برزت مع ظهور الانترنت ستؤدي إلى
تشكل ثقافة جديدة بدأت تظهر - ليس على مستوى ما يطرحه كتاب المنتديات فقط - وإنما سبقت ذلك من خلال اللغة الوسيطة التي ظهرت في القنوات الفضائية بعد انتشارها أبان العامين 90- 91 م من القرن الماضي، حيث برزت لغة وسيطة، ليست لغة عربية فصيحة، وليست لغة عامية (بين، بين) كما يقال، وهذه اللغة تتشكل الآن لتسود فضاءنا العربي، مما أدى إلى تمازج اللهجات ذاتها، بين اللبنانية، والمصرية، والخليجية، وغيرها، وتداخلها قد يصل بنا إلى لهجة عامية موحدة بين أبناء الوطن العربي.
وعموماً لا أريد أن أسهب في قضية اللهجات بقدر ما أود الإشارة إلى قضية بروز الشعبي وتسيده في الأوساط الثقافية والمعرفية الجديدة حيث إن أي متصفح عادي يمكن له أن يؤسس له صفحة على الفيس بك مثلاً يضع من خلالها كافة الصور الخاصة به، وكل ما يشعر أنه مهم بالنسبة له، وفي المقابل يقدم كل ما خطته يداه من كتابات، سواء أكانت تلك الكتابات تنتسب لعالم الكتابة أو لا تنتسب إليها، المهم أنه بات قادراً على أن يضع كل شجونه وشؤونه في هذه الصفحة، بخلاف المواقع الكثيرة الأخرى التي يمكنه من خلالها أن يحرر مدوناته الخاصة.
هذا جانب، الجانب الآخر المتصفح الذي يشارك برأيه ومداخلاته في منتديات الانترنت المختلفة، هو الآخر يؤسس لطرح جديد، حيث يشارك كل من يرغب، دون أي قيد أو شرط، ويطرح وجهة نظره في كل ما يريد من موضوعات سياسية أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو متعلقة بالموضة واللوكات الجديدة وغير ذلك، لم يعد المثل المشهور (يهرف بما لا يعرف) ذا أهمية فقد بات الكل يعرف في كل شيء، وإن كان هذا الأمر له سلبياته من خلال بعض وجهات النظر، لكن هناك وجهة نظر أخرى تشير إلى أهمية هذه المرحلة، وهي المشاركة الشعبية من قبل كافة الناس التي تسهم في إتاحة الفرصة لهم للتعبير عما في مكنونات أنفسهم من آراء وميول ورغبات، وخلاف ذلك، وأيضاً ينظر بعضهم إلى أن مثل هذه المرحلة ستعمل على تطوير إمكانات الشعوب المعرفية والثقافية، حتى لو من خلال القراءة عبر ما يطرح في هذه المواقع، والمسألة لا تتوقف على هذين الجانبين، بقدر ما تتجاوز ذلك إلى بناء ثقافة شعبية - كما أشرنا - ستتسيد الموقف في يوم من الأيام، وربما تصبح هي الثقافة الأعم، كما هو الحال في اللغة الوسيطة التي تحدثنا عنها.
الجديد في عالم التقنية لا يتوقف عند بروز الشعبي الذي تناوله الكثير من الباحثين، لكنه يتجاوز ذلك إلى العمل على جعل المتصفح للانترنت، قادراً على بث ما يريد، هو المنتج والمؤلف والمخرج لمادة ما، ثم يقوم ببثها، وهذا ما جعل البي بي سي التي كانت تعمل على آليات جديدة لاستخدام الإذاعة والتلفزيون تكتشف من خلال دراسة أجرتها أن هناك تلاميذ يبثون برامجهم الخاصة بهم المكونة من مزيج أغان ابتدعوها من موقع إذاعة ال بي بي سي على شبكة الانترنت، وربات بيوت يصدرن أعمالهن على الشبكة، و(جدة مقامرة) مولعة بالألعاب الإلكترونية الخيالية متعددة اللاعبين، مما أذهل العاملين في هذه الوكالة العملاقة، تقول (بينيت) إحدى الباحثات في ال بي بي سي (لم تعد وسائل الترفيه تسير في اتجاه أحادي مستقيم، لا بد أن نفكر فيما يتعلق بدورة حياة أوسع نطاقاً للبرامج، ويتعين عليك تبني نوع جديد من الشراكة الإبداعية مع جمهورك) في بحث نشر في مجلة النيوزويك.
Kald_2345@hotmail.com