يقدّر المختصون في قطاع التجزئة حجم سوق المواد الغذائية في المملكة بنحو 70 مليار ريال سنوياً، يستحوذ شهر رمضان المبارك على قرابة10% منه. حيث تتجاوز مبيعات التجزئة في قطاع المواد الغذائية 30% مقارنة بالمشتريات على مدار العام. حسبما أفاد رئيس مجلس إدارة إحدى شركات التجزئة، مما يشير إلى ارتفاع طلب المستهلكين في هذا الشهر.
وفي كل عام أتساءل أيها القراء الكرام، وليست ثمة إجابة: هل شهر رمضان هو امتناع عن الأكل وتقليل عدد الوجبات؟ أم أنه حمى وسعار استهلاكي لدرجة أصبح من المعتاد ترديد عبارة (الله يعين على مصاريف رمضان) بدلاً من طلب العون على صيامه وقيامه، ومن ثم رجاء الله قبوله؟!
إن الاستنفار السنوي الذي تشهده الأسواق ومحلات المواد الغذائية بالذات يشير إلى افتقادنا إدراك ثقافة الصوم وآدابه وحكمته. فعلى الرغم من أننا نردد بسعادة عبارة (رمضان كريم) إلا أن ما يحصل يعارض هذه الصفة لرمضان، فكلنا نرى الدعوة إلى الإسراف من خلال الاستنفار الاستهلاكي في الأسواق، والإعلامي الهائل في جميع الفضائيات العربية، وترديدها طيلة شهر شعبان عبارة (انتظرونا في رمضان) وكأنه استعداء منظم ضد شريعتنا وديننا الحنيف الذي يدعو إلى تخصيص العبادة في هذا الشهر!
والإسراف مذموم ومنهي عنه، في كل وقت وفي كل شيء ولا سيما في الطعام والشراب، قال الله تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.
ومساوئ الإسراف بالطعام والشراب على الدين والصحة عديدة، فالإنسان إذا أكل كثيراً أصابه الكسل وأقعدته التخمة، فيميل إلى النوم ويضيع على نفسه الأوقات الثمينة في رمضان كصلاة التراويح والقيام.قال سفيان الثوري رحمه الله: (إذا أردت أن يصح جسمك ويقل نومك أقلل من طعامك). والمعروف أن كثرة الأكل تورث غفلة القلب.
وكلما تنعم الإنسان بالطيبات في الدنيا قَلَّ نصيبه في الآخرة، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شبَعًا فِي الدُّنْيَا أَكْثَرُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ). وانشغال المرء بالأكل يبعده كثيراً عن الطاعات التي ينبغي أن تكون هي شغل المسلم في هذا الشهر الكريم، كقراءة القرآن الكريم وصلاة النوافل. بينما نجد المرأة تقضي جزءاً كبيراً من وقت النهار في إعداد الإفطار وجزءاً من الليل في إعداد السحور. فتطبخ في وجبة الإفطار ما يكفي عدة أشخاص حتى لو كان الصائمون ربع العدد! ولاشك أنها محاسبة على الإسراف، والاستعراض في التنويع، ومؤاخذة على التفريط في التلذذ بصيامها، وعليها التفاهم مع أفراد أسرتها على إعداد وجبة خفيفة لتتمكن من أداء عبادتها بهدوء وأريحية. والمؤلم أنها لا تدرك تفريطها إلا بعد رحيل الشهر الكريم.
والمفترض أن شهر رمضان يحمل بين جوانبه الراحة والروحانية؛ إلا أن الاستنفار اليومي يفقده هذه الميزة، ولا سيما في حالة الاجتماعات العائلية المجدولة، والدعوات على الفطور والعشاء تلمساً لأجر تفطير الصائم الذي أصبح يبدد وقت الداعي الثمين ويحمله الجهد الثقيل ويكلفه المال الكثير. بينما يمكن تحصيل الأجر بإعطاء الصائم المحتاج ما يكفيه طيلة شهر كامل، ويتفرغ الناس لأداء فريضتهم بسكون وفي وسط أسرهم الصغيرة وأبنائهم المحتاجين لدفء مشاعرهم ولتوجيههم وإرشادهم.
فاصلة
سيعاود المنشود اللقاء بالقراء يومي الثلاثاء والخميس إن شاء الله، بالإضافة ليوم الأحد بعد الاستراحة القصيرة.
rogaia143@hotmail.Com
ص.ب 260564 الرياض11342