Al Jazirah NewsPaper Monday  17/08/2009 G Issue 13472
الأثنين 26 شعبان 1430   العدد  13472
الشيخ عبدالله المنيع في حديث حول رؤية الهلال والاستعانة بالفلك
إثبات دخول الشهر أو خروجه مرتبط بالرؤية الصحيحة.. واستخدام علم الفلك في حال النفي لا الإثبات

 

الجزيرة - وهيب الوهيبي

يرى الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء عدم جواز الاعتماد على قول علماء الفلك في إثبات دخول الشهر أو خروجه وأرجع ذلك إلى أن الإثبات مرتبط بالرؤية الصحيحة.

وأشار معاليه إذا قال علماء الفلك إن الشمس غربت قبل الهلال ولم يتقدم أحد بالشهادة فلا يظهر لي جواز إثبات دخول الشهر أو خروجه بقول علماء الفلك إذ إننا ننادي باستخدام علم الفلك في حال النفي دون الاثبات.

وأكد الشيخ المنيع ضرورة الاستفادة من علم الفلك في الصوم والحج لافتاً إلى أنه علم كوني معتمد على نظريات كونية وحسابات دقيقة واستكشافات أعطت اليقين في نتائجها وجرى استخدامها في الصعود إلى الفضاء وفي معرفة تحديد مسارات الكواكب، وتساءل الشيخ المنيع: إذا قبلنا تحديد أوقات صلواتنا من علماء الفلك فلماذا لا نقبل قولهم في حساب مسير الشمس والقمر؟!

ونوه بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وقال إنها مركز علمي معترف بها عالمياً وهي محل ثقة وأمانة وخبرة علمية فلكية وفيما يلي نص حديث الشيخ عبدالله بن منيع.

* هل يجوز الاستعانة بعلم الفلك فيما يتعلق بالرؤية؟

- لا يخفى أن علم الفلك علم له أصوله وقواعده وليس علم الفلك اليوم هو علم الفلك قبل مئات السنين فقد كان فيما مضى ممزوجاً بعلوم النجوم والشعوذة والقول إن للكواكب تأثيراً في أحداث الأرض ومن عليها. أما اليوم فعلم الفلك علم كوني معتمد على نظريات كونية وحسابات دقيقة واستكشافات أعطت اليقين في نتائجها وجرى استخدامها في الصعود إلى الفضاء, وفي إطلاق المراكب الفضائية والأقمار الصناعية، وفي معرفة تحديد مسارات الكواكب ولا سيما المجموعة الشمسية ومنها الشمس والقمر، وبناء على الحصول على إفادات المجمع على صحتها من علماء الفلك ولا سيما ما كان محل اجتماع منهم في معرفة تحديد وقت اقتراب القمر بالشمس ووقت ولادة الهلال بعد الاقتران ووقت بدء الكسوف أو الخسوف وانتهائه، هذه المعلومات الدقيقة يجب علينا الانتفاع بها فيما تتحدد به أوقات عباداتنا من صلاة وصيام وحج وغير ذلك مما نحتاج إلى الدقة في تحديده وبناء على ذلك فيجب علينا الاستفادة من علم الفلك، فالله أمرنا بما نستطيعه في تحديد مواقيت عبادته.

* إذا قال علماء الفلك بولادة الهلال قبل غروب الشمس وبغروب الشمس قبل غروب القمر ولو بقليل ومع ذلك قالوا إنه لا يمكن رؤيته لارتباطه بشعاع الشمس فهل يقبل قول علماء الفلك بعدم إمكان الرؤية؟ وإذا جاء من يشهد بالرؤية والحال ما ذكر فهل نقبل شهادته بالرؤية؟

- إذا قال علماء الفلك بولادة الهلال قبل غروب الشمس وبغروب الشمس قبل غروب القمر ومع ذلك قالوا بعدم إمكان الرؤية وبرد الشهادة بها فلا يظهر لي جواز الأخذ بقولهم في عدم إمكان الرؤية ما دام أن الشهادة بها ممكنة حيث إن ولادة الهلال كانت قبل غروب الشمس والشمس غربت قبل القمر فإذا جاء من يشهد بالرؤية والحال ما ذكر فيجب قبول هذه الشهادة مطلقاً بعد تعديلها. لكونها ممكنة ومنفكة عما يكذبها ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته).

وقول علماء الفلك بعدم إمكان الرؤية مع أن الشمس غربت قبل الهلال قول غير ظاهر وجاهة الأخذ به فالله سبحانه قد يعطي بعض عباده قوة إبصار تقضي على التقديرات والاحتمالات وادعاء عدم الإمكان.

* إذا قال علماء الفلك إن الهلال غرب قبل الشمس وغربت الشمس بعده وجاء من يدعي رؤيته فهل تقبل شهادته؟

- إذا قال علماء الفلك إن الهلال غرب قبل الشمس وجاء من يشهد برؤيته بعد غروب الشمس فيجب رد هذه الشهادة مهما كانت ومهما كان طريق هذه الرؤية ومهما تعددت ومهما ظهرت عدالة مدعيها. لأنها شهادة مرتبطة بما يكذبها إذ كيف يرى الهلال بعد غروب الشمس والحال أنه غرب قبل غروبها.

* هل يجوز حصر قبول الشهادة بالرؤية على الرؤية عن طريق المرصد فقط؟

- إذا قال علماء الفلك بأن الهلال ولد قبل غروب الشمس وأن الشمس تغرب قبل غروب الهلال، وجاء من ينادي بإثبات دخول الشهر أو خروجه بقول علماء الفلك فلا يظهر لي جواز الأخذ بخبر علماء الفلك في إثبات ذلك. بل يجب أن يكون إثبات دخول الشهر أو خروجه بالرؤية الشرعية لقوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته). ولا يجوز حصر الرؤية الشرعية في رؤية معينة كالرؤية بوساطة المرصد. بل متى وجدت الرؤية الشرعية وتحقق شرط قبولها من انفكاكها عما يكذبها فيجب الأخذ بها بعد تعديلها سواء أكانت رؤية بالعين المجردة أم كانت رؤية بوساطة آلة تكبير من مرصد أو غيره وذلك لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته).

في حال قول علماء الفلك إن الهلال ولد قبل غروب الشمس وغربت الشمس قبله ومع ذلك لم يتقدم أحد بالشهادة برؤيته لا عن طريق المرصد ولا بالرؤية بالعين المجردة فهل يثبت دخول الشهر أو خروجه بما ذكره علماء الفلك؟

لا يظهر لي جواز الاعتماد على قول علماء الفلك في إثبات دخول الشهر أو خروجه لأن الإثبات مرتبط بالرؤية الصحيحة. فإذا قال علماء الفلك إن الشمس غربت قبل الهلال ولم يتقدم أحد بالشهادة بالرؤية فلا يظهر لي جواز إثبات دخول الشهر أو خروجه بقول علماء الفلك بذلك حيث إننا ننادي باستخدام علم الفلك في حال النفي دون حال الإثبات.

* ما صحة ما يقال إن علماء الفلك مختلفون فيما بينهم؟

- ما يقال إن علماء الفلك مختلفون فيما بينهم ليس على إطلاقه، فعلماء الفلك مجمعون على تحديد وقت اقتران القمر بالشمس بالنسبة للرائي من الأرض. كما أنهم مجمعون على تحديد وقت ولادة الهلال انفصال الهلال عن الشمس بجزء يسير من نورها كما أنهم لا يختلفون في معرفة غروب الشمس قبل القمر أو غروب القمر قبل الشمس بالساعة والدقيقة في أي مكان من الأرض. وهم مختلفون فيما بينهم في أمرين:

أحدهما: في حال الاتفاق بين علماء الفلك على تحديد ولادة الهلال قبل غروب الشمس وفي غروب الشمس قبل القمر فإن علماء الفلك مختلفون في إمكان الرؤية من حيث اختلافهم في تقدير درجة الزاوية الأفقية للهلال، ومن حيث درجة بُعدِه عن الشمس ومن حيث الزمن بين الولادة ووقت الترائي. وهذا الاختلاف لا تعلق له بولادة الهلال ولا بغروب الشمس قبل القمر أو بعده.

والذي يظهر لي صرف النظر عن مسألة إمكان الرؤية فما دام أن الهلال مولود وأن الشمس غربت قبله فيجب الأخذ بأي رؤية تثبت. سواءً أكانت رؤية بالعين المجردة أم كانت رؤية بوساطة المكبر لأنها رؤية ممكنة منفكة عما يكذبها.

الثاني: الاختلاف في تعيين الوقت الذي يبدأ فيه ليل أول يوم من الشهر أو ينتهي به ليل آخر يوم من الشهر. توضيح ذلك: ان غالب الفلكيين في العالم يعدون المقياس التوقيتي ساعة جرينتش فيقولون: إذا ولد الهلال قبل الساعة الثانية عشرة مساء بتوقيت جرينتش فإن هذه الليلة هي ليلة أول يوم من الشهر التالي. وإذا كانت ولادة الهلال بعد الثانية عشرة مساء بتوقيت جرينتش فإن هذه الليلة هي ليلة آخر يوم من الشهر الحالي. والمملكة حرسها الله أصدرت قراراً من مجلس الوزراء باعتبار مكة المكرمة مركز التوقيت. فمتى غربت الشمس قبل غروب القمر فإن الليلة بعد غروبه تعد ليلة أول يوم من الشهر التالي. وإن غرب القمر قبل الشمس فإن الليلة بعد غروب الشمس تعد ليلة آخر يوم من الشهر ولا شك أن قرار مجلس الوزراء قرار متقيد بالمقتضى الشرعي بأن أول اليوم ليلته. وقد أخذت بهذا القرار لجنة تقويم أم القرى في جميع تقاويمها لكل سنة.

ومن خلال تطبيق هذا الاصطلاح من الطرفين المختلفين في تحديد الوقت يتضح وجه الاختلاف وأنه لا علاقة له بتحديد وقت الاقتران ولا وقت الولادة ولا الاتفاق على تحديد وقت غروب القمر ووقت غروب الشمس من مكان الترائي.

* حسناً كيف نحصل على خبر علم الفلك فيما يتعلق بمسائل الهلال؟

والجواب عن هذا التساؤل هو أن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية - وهي مؤسسة علمية تابعة للدولة - فيها مجموعة من علماء الفلك وهم مكلفون بإعداد ما يتعلق بالجانب الفلكي بخصوص مواقيت الصلاة والصيام وأيام الشهر ورصد ذلك في تقويم أم القرى كما أنهم مكلفون ببيان حال الهلال مع الشمس آخر يوم من كل شهر. متى تغيب الشمس تحديداً بالساعة والدقيقة ومتى يغيب القمر تحديداً بالساعة والدقيقة. ومن هذا يعرف هل غاب القمر قبل الشمس أم غابت الشمس قبل القمر. وهذا البيان مرصود في تقويم أم القرى في آخر ورقة من أوراق تقويم أم القرى لكل شهر من شهور السنة. ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية مركز علمي معترف به عالمياً فهو محل ثقة وأمانة وخبرة علمية فلكية. يقوم بتشغيله علماء فلكيون مسلمون مشهود لهم بالعلم والثقة والأمانة والصلاح وصدق الاخبار والدقة في تحصيله ونقله. وصلواتنا الخمس معتمد توقيتها على ما في تقويم أم القرى. وإعداده مبني على الحساب الفلكي المعد من قِبل لجنة تقويم أم القرى المشكلة من مجموعة أعضاء منهم علماء متخصصون في علم الفلك وعليهم بعد الله الاعتماد في تحديد وقت كل صلاة من الصلوات الخمس في جميع مناطق المملكة. ويغلب على ظني أنه لو تقدم للجنة الفتوى برئاسة المفتي العام أحد المستفتين بأنه صلى الظهر مثلاً قبل وقت صلاة الظهر المذكور في ورقة التقويم بعشر دقائق أو ربع ساعة لكانت الفتوى له بإعادته الصلاة لأن صلاته كانت قبل دخول الوقت ودخول الوقت شرط لصحة الصلاة. وتحديد وقت الصلاة كان من علماء فلكيين. فإذا قبلنا تحديد أوقات صلواتنا من علماء الفلك فلماذا لا نقبل قولهم في حساب مسير الشمس والقمر. ومن ذلك قولهم إن الشمس غربت قبل القمر أو غرب القمر قبلها وان غروب الشمس كان في الساعة كذا والدقيقة كذا وان غروب القمر كان في الساعة كذا والدقيقة كذا وكذلك الأمر بالنسبة للصائم لو قال إنه تناول أكلاً أو شراباً أو جامع زوجته بعد طلوع الفجر المحدد وقته في تقويم أم القرى بحساب الفلك لصدرت الفتوى له بفساد صومه وترتب الأحكام الشرعية على الفساد. ولسماحة المفتي - حفظه الله - جهادٌ مشكور في الرد على المشككين في تحديد وقت الفجر حسب تقويم أم القرى، ألا يعتبر الاعتراض على الأخذ بعلم الفلك في مسائل الهلال تفريقا بين متماثلين؟ إذ كيف يجوز شيء ومثله لا يجوز؟ وإذا كنا في شك من صحة علوم الفلك فلماذا لا نأخذ بقول الله تعالى وأمره: ( فَتَبَيَّنُواْ) وبقوله تعالى (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).

والخلاصة أنه يجب علينا الاستفادة من علم الفلك في صومنا وفطرنا وحجنا كما استفدنا منه واعتمدنا على حساباته في صلواتنا وإمساك صومنا. وان استفادتنا منه يجب أن تكون في حال نفيه الرؤية لا في حال إثباته دخول الشهر أو خروجه بحساباته. وذلك جمعاً بين النصوص الشرعية والاستفادة من علم الفلك.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد