في ظل هذا التشابك الذهني، والتداخل المعنوي، وطغيان المادة في حياتنا اليومية اعتدنا أن نعيش الحالة ونقيضها، بل بتنا نبالغ في المجاملات، على حساب حياتنا وصحتنا، فلا نعبأ بأي أحد، طالما أنه غير معني بنا، أو معنيين به، بل إننا قد لا نتواءم على الإطلاق مع من لا توجد بيننا وبينه أي مصلحة دنيوية، أو وشائج مادية.
ففي الغالب لا نطيق الحقيقة، أو ما حولها، لأننا لا نقدم إلا ما يمكن أن يحقق لنا المنافع الدنيوية، أما وإن كان الأمر هو من أجل فعل الخير، أو للمصلحة العامة، أو للهدف الإنساني، فقل عليه السلام أو: (يا شيخ انسى).. ونحن هنا لا نعمم إنما هي قضية حلت بيننا، وصارت إلى معضلة يعاني منها الكثير.
ففي العلاقات الاجتماعية أصبح جُلُّنا لا يقدم وصفاً حقيقياً للحالات الإنسانية والاجتماعية من حولنا، فلا نسمي الأشياء بأسمائها، بل لا نتردد في الإحجام عن قول الحقيقة حول أي قضية اجتماعية، من أجل ألا نُغضب أي طرف، لتصبح العلاقة مزيجا من التوافقية المبتسرة، والحيادية المؤذية.
فلو طلبت من أحد منَّا أن يفيدك على سبيل المثال عن أمر تجهله في رجل تشعر أنه مصاب بمرض ما، أو تود معرفة بعض السلوكيات لديه ولاسيما إن كان الشخص المسئول قريبا من ذلك الشخص المسئول عنه، بصداقة أو زمالة، فلن تجد الإجابة الشافية عند أحد حتى وإن كان يحملها.
فقد يحيلك بعضهم إلى لغة (ما أدري والله)، وإن زاد إلحاحك في طلب المعرفة عن أي شخص فإنه سيكتفي بقول: (ما هو مضبوط) وعليك أن تحلل هذه الشفرة، أو تفسر هذا اللغز، فإن كنت على نياتك قلت: الله يصلح الحال، وهداه الله، مع أدعية أخرى من القلب، أما إن كنت مصراً على معرفة بعض الحقيقة ولاسيما حينما تكون في مسألة ارتباط زوجي مثلاً، فإن عبارة (ما هو مضبوط) ستعني لك بالطبع أشياء خطيرة، وهذا الانضباط ليس لمجرد الانتظام في دوام الوظيفة، أو العمل التجاري، أو الصلاة مع الجماعة.
الأمر الطريف أنه لم يعد التدخين هو الخطركما كان من قبل، لتسأل عن الشاب أو الرجل أهو مدخن أم لا؟ إنما جاءت (أدخنة) كثيرة، أشد فتكاً و أذى، بل انقلبت الصورة رأساً على عقب، فبات السؤال موجها للفتاة أيضاً: أهي مدخنة أم لا؟!
فعبارة (ما هو مضبوط) رؤية عائمة، ووسيلة للتهرب من قول الحقيقة، ظناً من هؤلاء أنهم سيحاسبون على أقوالهم إن هم صرحوا بما لديهم من معومات، أو أفادوا بأي أمر يخدم الحقيقة.
Hrbda2000@hotmail.com