Al Jazirah NewsPaper Monday  17/08/2009 G Issue 13472
الأثنين 26 شعبان 1430   العدد  13472
بين الكلمات
العلمانية في بلادي
عبد العزيز السماري

 

يختلط كثير من المفاهيم عند العامة، وتستغل مصطلحات من أجل مهاجمة كثير من وجوه التحديث في المجتمع، وطالما ما تم إسقاط بعض المفكرين بتهم لم تكن أعمالهم أو أقوالهم تدل على أي استحقاق لها، وتأتي تهمة العلمانية على رأس تلك المصطلحات التي يستغل البعض سوء فهم العامة لها من أجل النيل من بعض الأفكار التنويرية إن صح التعبير..

قد يصح إطلاق مصطلح ليبرالي على كثير من التوجهات في المجتمع، فالليبرالية أضحت حقيقة ولا يمكن بأي حال إغفال حقيقة نفوذها في المجتمع، وقد يدخل في ذلك كما بينت في مقال سابق كثير من فعاليات المجتمع، ومنها النفوذ الاقتصادي وعلماء دين ومفكرين، ومؤسسات إعلامية تقدم الثقافة الليبرالية بدون حواجز، وأكاد أجزم أن غالبية النشء يتغذون من ثقافتها في الوقت الحاضر، فتيار البحث عن المتعة صار يتجاوز بمراحل تيار الالتزام بالحدود الدينية لدوائر اللذة والمتعة بين العامة..

لكن العلمانية شأن آخر، وبغض النظر عن كسر العين أو فتحها، تختلف مفاهيمها عن الليبرالية في موقفها من الدين، فالعلمانية في ناحية قانون يفصل الدين عن الأحوال الشخصية والمجتمع، ويمنع بصورة قانونية المبادئ الدينية التي تحكم حياة الناس، ولا يزال مرفوضاً من الجميع، لكنها في ناحية أخرى تجعل من العلم والمعارف الدنيوية والقانونين المدنية خالصة هي المرجعية في المجتمع، وهذا تم استيعابه تماماً..، قد تعني العلمانية سلباً التبعية للغرب، وربما لأن الغرب يحتكر إنتاج العلم والمعرفة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل توجد مظاهر علمانية في مجتمعاتنا الإسلامية؟

والجواب سهل وفي متناول اليد..!، فالعلمانية أخذت الزمام من الدين في مسائل العلم والطب والرياضيات والاقتصاد وغيرها من العلوم الإنسانية الحية منذ عقود، فتدريس العلوم الإنسانية في مناهجنا يطبق فلسفة العلمانية، وفي أيضا مراكز البحث العلمي، وفي المستشفيات، فلا يمكن على سبيل المثال أن يشخص طبيب المريض على أنه مصاب بعين، أو أن مسه جان، لأن الغيبيات لا يمكن أن تدخل في نطاق التشخيص النهائي عند الطبيب، وبذلك يتضح من الصورة إياها أن العلمانية مهيمنة على العلم بمختلف اتجاهاته، وقصة علمنة العلم ظهرت أولا في المجال العلمي الفيزيائي وتحديدا مع غاليلي..

فالكنيسة كانت ترفض فكرة دوران الأرض حول الشمس انطلاقا من مرجعية لاهوتية تضع النص الديني خصما وقاضيا إزاء الخطاب العلمي، فالمبدأ المؤسس للعلم الفيزيائي عند غاليلي هو: (الطبيعة مكتوبة بحروف رياضية، وهو يستبعد منذ البدء كل إمكان لأي تفسير لاهوتي للظواهر الطبيعية وعلاقاتها وقوانينها، بمعنى آخر لم تعد ظواهر الطبيعة كما كان شأنها في الفلسفة الوسيطة التي كانت خليطا من العلم الأرسطي ومن الرؤى اللاهوتية يتم تفسيرها من خلال اجتهادات دينية أو فهم ظاهر للنصوص، بل هي مجرد أجسام تحكمها جملة من القوانين والمبادئ التي يمكن صياغتها ضمن نسق رياضي تحكمه الضرورة ويميزه التناسق الداخلي..)، وخير دليل على ذلك أن كثيرا من المظاهر الكونية يتم حساب حدوثها رياضياً، إذ يتم توقيت خسوف القمر وكسوف الشمس في المستقبل، بل إن الزلازل والأعاصير أصبح لها جدولاً زمنياً، ولم نعد نسمع أي معارضة لذلك من علماء الدين..

حدث شيء من التصادم بين العلم والدين في مجتمعنا، فقد رفض بعض علماء الدين بعض الحقائق العلمية، لكنهم مع مرور الوقت توقفوا عن ذلك لأنهم خسروا كثيراً بسبب ذلك الجدال، ولم يكن الدين الإسلامي في تاريخه ضد العلم، لكنها كانت اجتهادات علماء، وقد ظهر الخلاف بصورة فلسفية في مواقف ابن رشد وابن تيمية من تعارض النص والعلم، فالأول اجتهد في أن الحكمة أو العلم من المفترض أن تأتي أولاً، وأن يتم تأويل فهم النص إذا خالف النص العلم، أما شيخ الإسلام ابن تيمية فقد رأى أن النص لا يمكن أن يتعارض مع الحقيقة العلمية.. لكنه مع ذلك قدم تفسيرات دينية تعارض بعض الظواهر الطبيعية التي أصبحت في القرن الحديث حقائق علمية لا يختلف عليها اثنان..




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد