أحسنت وزارة العمل صنعاً حينما أقرت تطبيق نظام الفحص المهني، وزاد حُسن صنيعها حينما أقرت تطبيقه بشكل تدريجي اختياري خلال فترة محددة ليصبح بعدئذ نظاماً إجبارياً يفرض قوانين من أجلها تنظيم مزاولة الوظائف في مختلف المهن لم يكن إصدار نظام الفحص المهني قراراً عشوائياً
مبنياً على رغبات الكثير ممن طالبوا بوضع آلية معينة لكبح جماح طموح الكثير من الأفراد ذوي الصنائع السبع الذين لا همّ لديهم سوى جمع المال بكل سبل جمعه في فترة زمنية محددة، بل كان إصداره لاحقاً لعدد من الخطوات التي يُفترض إنجازها ليكتمل العمل ويقل الخلل.
لقد جُبلنا دوماً على التعجل في تطبيق قرارات وأنظمة ما نلبث اكتشاف عدم واقعية تطبيقها فنعود لتغييرها عبر تعطيلها وتوقيفها ريثما يتم دراسة البدائل مما يوقع الجهة المصدرة لتلك القرارات في حرج كبير مع من تضرروا فضلاً عن تشكيل انطباع سلبي عن القائمين عليها في تعجلهم وسرعة اتخاذهم لقرار سرعان ما يثبت فشله. لكن ما حدث مع إقرار مشروع نظام الفحص المهني يختلف كثيراً، فقد تم وضع هدف معين يراد الوصول إليه ومن ثم بدأت دراسة الأساليب المثلى للوصول إليه وتحقيقه عبر وضع ورسم عدد من الآليات والوسائل الكفيلة بتحقيقه دون خلل، فتم رسم خطة عمل واضحة الملامح لدراسة المشروع بدءاً من تشكيل فرق عمل لدراسة تجارب الدول الأخرى مروراً بالاستعانة بالمعايير المهنية ونظام المؤهلات الوطنية إلى تصميم وبناء دليل للاختبارات، وصولاً إلى وضع صيغة نظام نهائي مرن لاستخراج الرخصة المهنية يتناسب مع وضع سوق العمل السعودي، ذلك بناءً على ما يقتضيه تنفيذ قرار مجلس الوزراء بتاريخ 431428هـ بهذا الصدد.
الفحص المهني كما تم تعريفه من قبل الإدارة العامة للفحص المهني على موقعها الإلكتروني بأنه عملية جمع الإثباتات وإصدار الأحكام تجاه حيازة الكفاءة. والاجتياز يعني أن المتقدم قادر على الأداء وفقاً للمعايير المهنية المعتمدة في سوق العمل، ويحق له الحصول على الرخصة المهنية الوطنية لذات المهنة. يأخذ الفحص المهني من المعايير المهنية ونظام المؤهلات الوطنية مقياساً للحكم على مدى تخصص العامل في مهنة معينة ومدى قدرته على ممارستها وتوظيف تلك القدرات بما يؤهله لإنجاز ما يُوكل إليه من عمل بدقة وجودة عالية. وقد هالني حقيقةً دقة المعايير والمحاك التي تم وضعها للاحتكام إليها في تقييم العامل وقياس مهنيته وكفاءته مما يبشر ولله الحمد بنجاح هذا المشروع على المديين القصير والبعيد.
علينا أيضاً أن نعي أن نظاماً كهذا من أجله ليس فقط تحسين بيئة العمل بل وتحسين ورفع جودة الخدمات المقدمة. وحينما نقول تحسين بيئة العمل فإننا بلا شك نقصد إيجاد بيئة مثالية لمزاولة المهنة سواءً من قبل العامل المستورد أو المحلي عبر ما توفره تلك البيئة من محفزات كثيرة تساهم في إغراء الكثير من الشباب السعودي المؤهل للعمل في مجال المهنة التي تعلمها ودرسها وتدرب على ممارستها، وهو يعي تماماً الأدوات التي يوفرها هكذا نظام من تنافسية شريفة تعتمد المهنية مقياساً والتخصص أسلوباً وتؤْمن بأن الوظائف الحالية والمستقبلية لا يمكن أن تنفصل عن المهن التخصصية.
نظام كهذا لا يقتصر فقط على العمل على رفع جودة الخدمة المقدمة وتوفير البيئة العملية المثالية بل تمتد إيجابياته لتشمل المساهمة في تقليل البطالة كما ذكرنا آنفاً من خلال استقطاب الشباب السعودي الذي تعلم مهنة معينة ولم يمارسها لمزاحمة العامل الوافد له وقبول الأخير بأجر يقل عن واقع أجر وقيمة الخدمة المقدمة فضلاً عن قدرة النظام على اكتشاف المهارات والقدرات الكامنة لدى العامل أثناء خضوعه لاختبار وفحص قدراته المهنية. وأيضاً يساهم بشكل كبير في تقديم قاعدة بيانات عن المهارات الموجودة في السوق المحلية وما تحتاجه تلك السوق في الوقت الحالي والمستقبلي وتقديمه لمعلومات عن الاحتياجات التدريبية المطلوبة في السوق التي تساعد بشكل مباشر في تحسين مخرجات المؤسسات التعليمية والتدريبية بالمملكة. النظام يساهم بشكل غير مباشر في الحد من التداخل والتشابك في كثير من المهن وإيقاف التلاعب في ممارسة الكثير من الوظائف التي تتطلب حدوداً دنيا من المعرفة والكفاءة. النظام يساهم في توضيح المسارات الوظيفية لكل مهنة على حدة، الأمر الذي يساعد أيضاً في زيادة عملية جذب الشباب السعودي للانخراط في الأعمال التي تعلموها وتدربوا عليها ولم يمارسوها لظنهم بمحدودية مسارها العملي ما يساعد أيضاً في زيادة التوظيف ويقلل بشكل مباشر من البطالة الذي يعاني منها مجتمعنا.
بقي أن نقول أن نظاماً كهذا سيقضي لا محالة على عمليات التزوير في شهادات التخصص المهني التي باتت منتشرة بشكل نادى معه الكثير بضرورة وجود آلية لكشفها والحد منها حفاظاً على جودة الخدمات المقدمة والمحافظة على المكتسبات الوطنية ورفع جودة الأداء والتنفيذ على جميع الأصعدة.
باختصار، الفحص المهني يقي مكتسباتنا الوطنية من العبث ويعمل على التأكد من جدارة وخبرة العامل المهنية، ويمنح المواطن الثقة الكاملة بمهنية وكفاءة العامل الذي كُلف بمهام معينة خصوصاً أن تلك الكفاءة والمهنية يتم قياسهما عبر إدارة ممثلة عن وزارة العمل عملت بجهد واجتهاد خلال الفترة الماضية لإنجاح المشروع والعمل على تطبيقه عبر عدد من الآليات التي كلفتها الكثير من الوقت والتدريب والجهد، وبطريقة ذكية تضمن تطبيق نظام الفحص المهني بسلاسة دون خلق ربكة أو ازدحامات غير مبررة، وذلك عبر تطبيق أسلوب الفحص الإلكتروني وبعدد من اللغات التي تتناسب وجميع العاملين بالمملكة، إضافة إلى اهتمام إدارة الفحص المهني بإيجاد وسيلة لفحص من لا يقرأ ويكتب.
ألا يحق لنا أن نفخر بإنجاز مشروع وطني كهذا؟ أليس من الواجب أن نعمل على تطبيقه وتسهيل تنفيذه بالشكل السليم طالما كان المستفيد الأول الوطن والمواطن؟ أليس من الواجب تقديم الشكر والثناء لمن وقف خلف هذا المشروع.
dr.aobaid@gmail.com