قد يبدو هذا السؤال غير منطقي عند البعض.
هل العلم والثقافة كافيان لجعل الإنسان أكثر رقياً؟
البعض يقول كفى بالعلم مربياً، والبعض الآخر يستدل بنصوص تراثية أو شرعية من أن اليهود هو الأنموذج فيمن لديه العلم لكنه لم يعمل به. والبعض يقول إنه في موروثنا لا نطلب إلا العلم النافع الذي يصاحبه العمل.
انظر في هذه المثال الذي أسوقه لكم:
ابن الخشاب عالم بالنحو ولد في آخر عقد من القرن الخامس وعاش حياته بالقرن السادس، قصته قصة، ووضعه غريب ومريب وعجيب، عالم فذ ومبدع، لكن سلوكه في غاية السوء، ومنظره - كما وصفه الرواة - في غاية القذارة.
رجل يجمع المتناقضات، خطه مليح، يندر أن يخطئ في اللغة العربية بل قيل إنه يستحيل أن تجد له خللاً في اللغة العربية، قارئ متقن لكل ما يمر به.
ناقش علماء عصره ورد عليهم بردود مفحمة، إلا أنه ما كان يكمل الكتب التي بدأ في تأليفها لعله كان مزاجياً أو ملولاً.
من طرائفه أنه كان يذهب إلى سوق تجار الكتب فإذا وجد كتابه أعجبه، يتغافل صاحب المحل ثم يمزق قطعة من الكتاب، ثم يقول لصاحب الكتاب هذا كتاب ممزق ليشتريه بسعر رخيص!!
ولم يقف الأمر عند ذلك بل كان يلعب الشطرنج في الطريق، وربما قابل مشعوذاً، وطبعاً مات ولم يتزوج!!
قال عنه أحد المعنيين بسيرته: كان ابن الخشاب يتعمم بالعمامة وتبقى مدة حتى تسود وتتقطع من الوسخ وعليها ذرق العصافير.
ابن الخشاب هذا - عزيزي القارئ الكريم: أنموذج لما نشاهده ونسمعه عن أناس بلغوا من العلوم مبلغاً كبيراً، ومع ذلك لم يصاحب هذا العلم سلوكاً يلتقي وهذا العلم الكبير.
ومثله في عصرنا هذا ما نسمع جميعا عن شعراء ومبدعين ومثقفين تروى عنهم قصص غريبة في سلوكهم أو مزاجيتهم.
هذه ظاهرة وجدت في التراث ويتحدث الناس عنها حتى يومنا هذا.
ومع جزمي بأن بعض الشخصيات الشهيرة التي رمت بسوء سلوك قد طالها بعض المبالغات إلا أني أتساءل كما يتساءل الكثيرون غيري:
هل العلم والثقافة كافيان للنهوض بسلوك الإنسان أم لا؟
من خلال ما تقدم نجزم أن العلم يجب أن يصاحبه السلوك وألا أصبح العلم مجموعة من المعلومات في الذاكرة التي قد تكون وبالاً على صاحبها.
للتواصل:
Tyty88@gawab.com