لي صديقٌ كان يُصر على أننا يجب أن نقف في وجه من يريد (تغريبنا)، ونحافظ على هويتنا، وشخصيتنا الوطنية، وألا ننجرف وراء هذه الأفكار الوافدة، والغريبة علينا وعلى ديننا، وكذلك على عاداتنا وتقاليدنا العربية (الأصيلة).
|
صديقي هذا دعاني إلى حفل زواج ابنته، ذهبت إلى الحفل، وعندما دخلت إلى القاعة الفندقية وجدت الحفلَ (مُستورداً) ثقافياً من الغرب، من ألفه إلى يائه؛ من القاعة وزخرفات جدرانها وسقوفها، وحتى (الإتيكيت) ومراسم الاحتفالات التي يَحرص (الغرب) على اتباعها في مناسباتهم. بل لو ارتدى أصحابُ الدعوة والمدعوون الملابس الغربية، لما وجدت فرقاً بين احتفال صاحبنا واحتفالات الغرب. كل شيء في حفل الزواج كان (غربياً) بامتياز. المقاعد كانت كما هي في قصر لويس الخامس عشر في فرنسا، وكذلك طاولات الشاي الأنيقة، وثريات (الكريستال) التي تتدلَّى كعناقيد العنب من السقوف. الستائر المخملية على النوافذ حوَّلتها إلى جداريات قماشية باذخة الجمال. الرخام الفاخر هو ذات الرخام في رُدهات فنادق وقصور الغرب. باقات الزهور جميعها بلا استثناء مستوردة من أوروبا، ومرتّبَة بالأسلوب والطريقة المتَّبعة في الاحتفالات الغربية، وأخيراً سيُلقى بها في صناديق (الزبالة) مثلما يفعل الغربيون في مناسباتهم. الموائد، البوفيه وأنواع الأطباق المرصوصة عليه، الحلويات وطريقة تحضيرها وتقديمها، الأكل بالشوكة والسكين، بل وطريقة الجلوس، التخديم، وأسلوب الخدمة، فضلاً عن أزياء من يتولون الخدمة؛ كل التفاصيل الدقيقة هي بالضبط مثل ما هي في احتفالات الغربيين. كنت سأقول غير ثياب و(شمغ) الداعين والضيوف و(قصب) بشوتهم، ثم تذكَّرت أن هذه - أيضاً - تُنسَجُ وتصنّع هناك، وليست من إنتاجنا؛ فلم أجد ما يَستدعي الاستثناء!
|
قلت لأحد الأصدقاء الذي كان يجلس بجانبي: هذا حفل (تغريبي) أليس كذلك؟ ضحك؛ وقال: التغريب بوجهه القبيح، والمشوّه، والبشع، ليس هنا، وإنما في قاعة (النساء). هناك سترى (الكوشة)، أو منصّة الزفة، بالأسلوب والتصميم الغربي، وتكاليف إنشائها قد تصل إلى عشرات الألوف إذا لم تكن أكثر. فستان العروس أو كما يسمونه: (فستان الشرعة) غربي المنشأ والأصل والولادة؛ تصل تكاليفُ تصميمه وخياطته في (باريس) أو (روما) إلى عشرات الألوف. العقود المرصَّعة بالألماس والجواهر على أعناق صاحبات الحفل والمدعوات تُجلب عادة من (الغرب).. في هذه الاحتفالات ترى الفشخرة والبذخ والتبذير والتباهي بالغنى، وعُقَد النقص، وآخر صيحات الموضة في الأزياء، واتباع عادات (الغرب) في أقبح وأحط معانيها. ويقولون: إن الزوجين سيقضيان (شهر العسل) في جنوب فرنسا؛ حيث الساحل (اللازوردي) كما يسمونه!
|
صديقي الداعي (يزعم) أنه ضد التغريب، ويتزعّم في المجالس المطالَبة بالعودة إلى الجذور، أو كما يسميها: عاداتنا العربية الأصيلة، وينتقي من الألفاظ والعبارات أقساها لشتم الغرب وتشويه ثقافته؛ بينما يأخذ منهم ومن (ثقافتهم) أسوأ العادات وأقبح التقاليد، ويتّبعَهُم فيها حَذوَ (القذة بالقذة)؛ حتى تكاد تجزم أنك في أجواء زواج (غربي) ولستَ في قاعة زواج في الرياض؛ وهو لا يعلم، أو أنه يعلم - لا أدري - أن حفلته (الباذخة) لا علاقة لها بثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا العربية (الأصيلة)، وأن الأصالة و(التأصيل) في حفل صاحبنا معاييره (غربية)، مظهراً وفحواً وثقافة.
|
احتفالات الزواج تحرص الشعوب - في العادة - على التعامل معها وفق التراث، والثقافة الموروثة، فكيف يُفسر صاحبنا المسلم العربي، والمُصِرّ على الأصالة، ضروبَ (تغريبه) هذه؟.. ثم إذا لم يكن هذا (انبهاراً) بالغرب فكيف يكون الانبهار!
|
هنا يبدو التناقض (صارخاً) بين الشعار و الممارسة. طَبِِّقهُ على مجالات أخرى من مظاهرنا الحياتية المعاصرة، تحصل على ذات النتائج.
|
يقول الشاعر العربي (الأصيل):
|
لا تنهَ عن خُلق ٍ وتأتيَ مثلهُ |
عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيمُ! |
|