يُعتبر النجاح من الأمور الأساسية التي يسعى الإنسان لتحقيقها في شتى مناحي حياته لضمان قدر معين من التقدم في عدد من الجوانب سواء الاقتصادية أو الأمنية أو الاجتماعية، الذي يكفل حدوداً دنيا لحياة نفسية واجتماعية سعيدة. مفهوم النجاح لا يحتاج ربما لشرح وتمحيص بقدر ما يحتاجه مفهوم الفشل،
ذلك المفهوم الذي كثرت تفسيراته وتعددت معانيه.
الفشل من وجهة نظري هو الخضوع التام للخنوع والضعف والاستسلام والعيش بهم ومن خلالهم دون التفكير في إعادة المحاولة والنهوض بالهمم والعزيمة واتخاذ الآليات المناسبة للتجربة ومن ثم تحقيق النجاح. ومن هذا المنطلق، فهناك فارق كبير وشاسع بين الفشل بمفهومه السابق وعدم النجاح، وإن كان الأمر فلسفياً يعتبر متشابهاً، إلا أن نظرة واقعية تمحيصية للمفهومين تبيّن أن الفشل ما هو إلا تكريس للشعور الناتج عن عدم النجاح والاستسلام لنتائجه وللحالة النفسية التي تصيب الشخص الذي حاول ولم ينجح، تلك الحالة التي تجثم على صدر وعقل صاحبها ويُعزز وجودها وبقاءها العوامل الاجتماعية المحيطة بالفرد.
إنّ تكريس مفهوم الفشل والإيمان والاعتقاد به يقود صاحبه لنتائج سلبية وخيمة، منها تدهور العزيمة وعدم الرغبة في المحاولة، واليأس من الحياة وانخفاض الاهتمام بالإبداع والتغيير لديه، وتعرضه ربما لكثير من حالات الاكتئاب والقلق، والشعور بالذنب والخجل من الآخرين، واختلال الصورة الذاتية، والرغبة الدائمة في العزلة والانعزال، وضعف الإيمان بالذات واهتزاز الثقة فيها، ومن ثم التحول إلى الانحراف والإجرام. أو ينتهي به الأمر إلى الانعزال من الحياة الاجتماعية بشكل كامل ونهائي عبر عدد من المراحل التي عادةً ما تبدأ بضعف القدرة لديه على مواجهة المجتمع والتعبير عن نفسه ومن ثم الانطواء والانزواء خشية انتقاد المجتمع له والتقليل من شأنه ولصق الفشل به أينما حل.
لذا تبدأ معاناة الشخص الذي تم لصق صفة الفاشل به من عقدة الظهور أمام الناس ومن قدرته على الاستمرار في فرض الذات داخل مجتمعه الصغير إن هو بقي ضمنه، ويبدو لديه الواقع بصورة لا يمكن احتمالها، فتنهار نفسيته بفعل ما يعانيه من عزلة فرضها هو على نفسه ومن حرمان من الشعور بالسعادة نتيجة عدم تحقيقه للنجاح المنشود، ومن تحيز المجتمع ضده واضطهاده له.
الفشل بمفهومه السابق وبما يُفرزه من شعور بالعزلة والغربة عن المجتمع وأفراده والسير عكس الطريق القويمة التي يسير عبرها بقية أفراد المجتمع الناجحين إنما يمهد لارتكاب المحظور وخرق القانون لشعور الشخص بالذنب من فشله وتساوي نتائج ذلك مع ما يمكن أن يرتكبه من حماقات أخرى كفيلة بالقضاء على ما تبقى من قدرة لمعاودة المحاولة والسير من جديد على طريق النجاح.
علينا إن أردنا أن نُحدث تغييراً في هذا الجانب أن نبدأ أولاً بالتفريق بين مفهوم الفشل ومفهوم عدم النجاح، علينا أن نوجد أساليب وآليات لمعالجة تلك المفاهيم في المدرسة والمنزل والجامعة ووسائل الإعلام. علينا أن نُثقف المجتمع بضرورة الأخذ بيد من حاول مرة وأخرى ونساعده على تكرار المحاولة مراراً. علينا أن نقتنع أولاً أن عدم النجاح في تحقيق هدف ما لا يعني فشلاً، وإنما الفشل هو عدم تكرار المحاولة لتحقيق ذلك الهدف.
علينا أن نوجد قاعدة للتعامل المفترض مع الطفل ابتداءً من الأسرة في البيت وانتهاءً بالمعلم في المدرسة، علينا أن نغرس مفاهيم أخلاقية تؤسس لتعامل مبني على احترام الذات وعلى الإحساس بالشخص قبل وأثناء وبعد محاولاته لتحقيق أهدافه. علينا أن نراعي في مراحل حياته الأولى متطلباته النفسية من تشجيع وحث وترغيب للمحاولة واستمرار المحاولة؛ ذلك لنتفادى وجود أشخاص يؤمنون بالفشل في مراحلهم الأولى وما بعدها لضمان جيل قادر على الاعتماد على نفسه، جيل لا يتوقف عند أبسط المعوقات وأتفه العقبات، جيل قادر على تجاوز المحن والمشكلات في سبيل تحقيق أهدافه وغاياته التي لا شك ستصب أولاً وأخيراً في مصالح وغايات مجتمع بأكمله.
dr.aobaid@gmail.com