سوق عكاظ أحد معالم الثقافة العربية القديمة في جزيرة العرب، يقع في سهل منبسط شرق مدينة الطائف، له شهرة فائقة، كما الأسواق العربية الأخرى، فهو سوق تجاري، ومنبر إعلامي، ومنتدى ثقافي، وملتقى اجتماعي، وميدان سباق وتسابق، يتم إحياؤه سنويا في أوائل شهر ذي القعدة، وقد يمتد إلى أوائل شهر ذي الحجة، فهو سوق اشتهر بين الأسواق بمضامينه المتنوعة، وفعالياته المتجددة، تحرص القبائل العربية على حضور منتدياته كل سنة في المكان والزمان نفسه.
فهو عربي الوجهة، يعنى بهموم العرب وشجونهم، وبمنجزاتهم ومفاخرهم، يعبر عن ملامح الشخصية العربية وسماتها، ويعكس مضامين بيئته بكل ما تحويه من معانٍ ودلالات، وتتوافق أدواته ومخرجاته مع طبيعة الحياة العربية وخصائصها، وما تتميز به وتتفرد من مكارم الأخلاق، ومحامد الأفعال، فهو أصيل الأرومة، سيد يعرف وجهته وتوجهاته، لا يقبل أن يكون تابعاً، أو هجيناً مولداً.
وهو عربي الوجه واللسان، استطاع بكل اقتدار أن يعبر عن مقاصده وغاياته بلسان عربي مبين، فصيح لا لكنة فيه ولا عجمة، لم يلتفت يمنة ولا يسرة من أجل تعزيز مكانته، أو توسيع دائرة انتشاره، أو جلب مزيد من الأضواء، أو لفت أنظار، بل ظل شامخاً معتزاً بعروبته، وبوجهته العربية، وبطابعه وطبيعته، وبسمته وسماته، يستوحي من ربوع بيئته العربية مادة عطائه، متسامياً عن دنس الارتماء أو الاستجداء، فلديه مخزون ثري لا ينفد من مقومات حياة أصيلة غنية في مثيراتها ومحفزاتها ودلالاتها، تغنيه عن التطفل أو التسكع على موائد الآخرين، حتى وإن بدت شهية مغرية، براقة في مظاهرها ومحتوياتها، فمائدته في نظره، نظرة شهية، حسنها أصيل غير مجلوب.
من هنا يتبين أن لسوق عكاظ هوية واضحة المعالم والملامح، فهو عربي الوجه واللسان، يعنى بهموم قومه، ويعبر عن حالهم وأوضاعهم، وعن حاجاتهم، وبلغة يفهمها العربي، ويدرك دون عناء معانيها ودلالاتها، لأنها منطلقة من بيئته، استعاراتها من مألوف حياته، وتشبيهاتها من موروث ثقافته، يطرب لسماع شعر الشعراء وهم يتنافسون محاججة ومعاكظة، ويهتز لنثر الأدباء وهم يتفاخرون بماحققوه من إنجازات، أو نالوه من استحقاقات، أو تبوؤوه من مكانة علية بين نظرائهم من القبائل الأخرى.
ومن هنا يتبين أن لسوق عكاظ رسالة، تتجلى في سمو غاياته وأهدافه التي يحرص على تحقيقها عبر فعاليات منتدياته السنوية المتنوعة، فهو ملتقى تجتمع فيه التجارة والثقافة والإعلام والسياسة، ويسعى إلى توظيف ذلك كله في تحقيق مزيد من الترابط بين أبناء القبيلة الواحدة، وإلى التآخي بين القبائل العربية نفسها ومع غيرها.
وبعد أن بدأت جهود إحياء فعاليات سوق عكاظ تبدو للعيان، ظهرت مواقف وآراء مختلفة حوله، بين متحمس مؤيد بلا حدود، وآخر متهيب رافض لمسوغات معتبرة عنده، ووفقاً لما تبين من بعض الفعاليات التي تمت في سوق عكاظ، بدت مواقف المتهيبين صحيحة منطقية، لذا فإن صوت العقل يناشد القائمين على سوق عكاظ في ثوبه الجديد أن يبقوا السوق على هويته وأصالته، وأن يحافظوا على ملامح وجهه العربي، وعلى منطلقات لسانه ومقوماتها الفصيحة البليغة، وأن يستعينوا بشعراء الأصالة وأدبائها المنتمين إلى هذه البلاد دينا وثقافة ورسالة.