الجزيرة - الرياض:
انتقدت دراسة بحثية حديثة استخدام منتجات الجيل الأول من الوقود الحيوي، معتبرة أنها تدمر فرص الدول الفقيرة في توفير الأمن الغذائي. واستبعدت الدراسة إمكانية الاستفادة من ميزة تلك المنتجات في تخفيف الانبعاثات الغازية قبل مرور 30 عاماً على أقل تقدير، مبينة أنه حتى في هذه الحالة فإن جملة إنتاج الوقود الحيوي لن تغطي أكثر من 12% من الطلب العالمي على الطاقة.
الدراسة التي أعدها المعهد الدولي لتحليل النُظم التطبيقي (إياسا) ومقره فيينا، بتكليف من صندوق الأوبك للتنمية الدولية (أُفيد) تحت عنوان (الوقود الحيوي والأمن الغذائي)، تناولت تأثير إنتاج واستخدام الوقود الحيوي على الإنتاج الزراعي الغذائي والأمن الغذائي في الدول النامية، مبينةً كيف أن الهرولة نحو إنتاج الوقود الحيوي وما تسببه في طريقها من أذى للأراضي الزراعية والمياه والمحاصيل الغذائية، تهدد على نحو واضح الوفرة الغذائية التي يحتاجها البشر، في الوقت الذي تشكل فيه تهديداً مماثلا للظروف البيئية.
وتغطي الدراسة التي كشف عنها (أفيد) الدراسة في منتدى الأوبك الرابع بالعاصمة النمساوية فيينا، جملة من الشؤون المتعلقة بالغذاء والزراعة، والمخاطر التي تهددهما إذا ما استمر استخدام منتجات الوقود الحيوي. ووفقاً لسليمان جاسر الحربش المدير العام ل(أفيد)، فإن نتائج الدراسة استخلصت من سيناريو محتمل استفاد الباحثون في تصوره من علوم الاقتصاد والأحياء والزراعة.
ولفت الحربش أنظار المشاركين في المنتدى إلى حقيقة أن إنتاج الوقود الحيوي ليس وليد اليوم. ففي عام 1900 قدم رودولف ديزل في معرض عالمي بباريس محركاً يدور بزيت الفول السوداني، سمي بعد ذلك باسمه. وفي 1904 تم إنتاج سيارة تدور بالوقود الحيوي وكانت آنذاك أسرع سيارة في العالم، حيث بلغت سرعتها 167 كيلومتراً في الساعة. وفي الثلاثينات والأربعينات جرى استخدام الزيوت النباتية وقوداً لمحركات الديزل خاصة في الحرب العالمية الثانية، وإن لم يكن استخدامها شائعاً بكثرة. وفي الستينات وأوائل السبعينات كانت العلاقة بين الغذاء والطاقة علاقة عكسية على مدى بضع سنوات، واقترح وقتها لحل مشكلة نقص الغذاء، تصنيع مكونات غذائية عالية البروتين بمعالجة خاصة للنفط الخام.
وقال الحربش إن الدراسة تهتم على نحو خاص بالتأثير المتوقع لمنتجات الجيل الأول من الوقود الحيوي على الأمن الغذائي والتنمية الريفية والتغيرات المناخية، مؤكداً أن الأدلة التي قدمتها الدراسة تشهد أن الوقود الحيوي المستخدم حالياً ربما تكون له عواقب خطيرة الشأن خاصة على الدول النامية، وربما تعمل ضد أجندة (أهداف الألفية التنموية) لتخفيف الجوع العالمي.
ويقسم فارس حسان الذي شارك في إعداد الدراسة أنواع الوقود الحيوي المستخدمة حالياً إلى نوعين: منتجات الجيل الأول وهي البيوإيثانول (أو الإيثانول الحيوي) والبيوديزل (أو الديزل الحيوي)، ومنتجات الجيل الثاني المستخرجة من الأعشاب وجذوع الأشجار.
ويرى رشيد بن شريف وهو مشارك آخر في إعداد الدراسة، أن الحاجة المتزايدة للسلع الغذائية والتي خلقها إنتاج الوقود الحيوي، نجم عنها اختلال واضح في سوق الغذاء وضغوط متصاعدة على الأسعار العالمية.
ويقول بن شريف إن أكثر القضايا إلحاحاً في الوقت الراهن هي التغير المناخي والوقود الحيوي والأزمة المالية العالمية، مشيراً إلى أن هناك عدداً لا بأس به من الدراسات حول القضايا الثلاث، وأن الدراسة التي أنجزها (أُفيد) حاولت أن (تحدد حجم كل من هذه القضايا، في إطار منهجي نموذجي). ونظرا لأن الدراسة تهدف إلى تقديم نتائج عالمية وإقليمية، فقد خلت من أي نتائج متعلقة ببلد بعينه.
وتتلخص أهداف الدراسة فيما يلي:
- طرح مراجعة شاملة لتطور إنتاج الوقود الحيوي ومدى استخدامه في كافة أنحاء العالم، وكذلك السياسات وإجراءات الدعم التي تقف وراءه وتدفع بنموه وتطوره.
- تحليل الإمكانية الاقتصادية - الزراعية لكل المحاصيل الرئيسية المستخدمة في إنتاج الوقود الحيوي بجيليه الأول والثاني.
- إجراء تقييم شامل من الناحية الاجتماعية والبيئية والاقتصادية، لتأثيرات وتطبيقات تطور إنتاج الوقود الحيوي، على تخفيف التغير المناخي، والأسعار الزراعية، والأمن الغذائي، وتغير استخدام الأراضي الزراعية، وتنمية زراعة المحاصيل الغذائية.
أما النتائج التي خلصت إليها الدراسة فهي تتعلق بما يلي:
- الأسعار الزراعية.
- التغير في القيمة الزراعية المضافة.
- التغير في إنتاج الحبوب الغذائية.
- التغير في استهلاك الحبوب.
- تهديد الجوع.
- القضاء على الغابات والتنوع النباتي.
واستخلصت الدراسة نتائجها من مقاربة خاصة على هيئة سيناريو يتصور أن المزيد من البشر تصل أعدادهم إلى ملايين معرضون لخطر الجوع. كما يتصور السيناريو استمرار ارتفاع أسعار السلع الغذائية بسبب التوسع في إنتاج الوقود الحيوي، ما يسفر عن تقلص الاستهلاك الغذائي في الدول النامية ويؤدي إلى تزايد حالات نقص التغذية المرضية. وحسب الدراسة فإن أكثر المناطق التي ستتأثر بشدة من التوسع في إنتاج الوقود الحيوي هي منطقة جنوب آسيا.
وفيما يفترض السيناريو الأول آثار إنتاج الوقود الحيوي من الجيل الأول بحلول عام 2020، يفترض السيناريو الثاني ما يمكن أن يحدث مع الهرولة الحاصلة في إنتاج الوقود الحيوي من الجيل الثاني بحلول عام 2015. وتقول الدراسة إنه في الحالتين يجري استخدام النبات بأكمله وليس جزءا منه فحسب، وهو ما ينذر بنتائج مروعة. وحتى عند استخدام جزء فقط من النبات، فإنه يجدر الانتباه إلى أن الأجزاء النباتية التي لا تستخدم مباشرة في تغذية البشر، يمكن أن تمثل غذاء من الدرجة الثانية.
وتقول الدراسة إن العديد من الدول تستخدم أنواعاً مختلفة من النباتات لإنتاج الوقود الحيوي، وفقاً لما تمليه عليها ظروف المناخ وطبيعته.
وتتساءل الدراسة: هل هناك ما يكفي من الأرض الزراعية في الصحراء الإفريقية لإنتاج الغذاء والطاقة الحيوية في الوقت نفسه؟ وتجيب بأن أقل من 9% فقط - من إجمالي ثلاثة بلايين هكتار تمثل مساحة الصحراء الإفريقية - هي المستخدمة حاليا لإنتاج المحاصيل الزراعية. وهناك 45% إما مساحات مائية أو صحراء أو أرض جرداء أو منحدرات شاهقة أو أراض هامشية الإنتاج. وتمثل الغابات 18%. وهناك 6% من الأراضي غير المسموح بزراعتها لأسباب مختلفة، وأقل من 1% مناطق عمرانية. وتغطي الأدغال والأعشاب والسافانا 22% من الأرض.
وتقدِّر الدراسة أن نصف الإنتاج النباتي السنوي في تلك المناطق مطلوب حالياً لتغذية الماشية والدواب والدواجن. ورغم أن مفتاح دعم الأمن الغذائي يكمن في تحقيق زيادة في إنتاج الأراضي المزروعة حالياً، فإن حوالي ثلث الأراضي التي تغطيها الأدغال والسافانا (أي نحو 175 - 200 مليون هكتار) يمكن استخدامها لإنتاج الغذاء والطاقة.
وبينما تتنافس الزراعات التقليدية المستخدمة حالياً في تخليق الجيل الأول من الوقود الحيوي مع المحاصيل الغذائية، ولا تستوفي معايير السلامة البيئية، فإن تقنيات الجيل الثاني تعد بتقليص حجم الانبعاثات الغازية من الصوبات، كما أنها قد تسمح بالتنقيب عن مصادر زراعية غير مستخدمة حالياً أو مستخدمة بصورة هامشية.