لم نعد نثق كثيراً بالخطب التي يلقيها بعض السياسيين من ذوي التوجهات الطائفية، الذين يعلنون على الملأ شجبهم للاقتتال ودعوتهم للوحدة الوطنية وعدم الانجرار إلى أتون المذهبية.. لا لشيء إلا لأننا نرى على أرض الواقع خلاف ذلك تماماً، ف(السيد) حسن نصر الله في لبنان، و(عبدالعزيز الحكيم) و(مقتدى الصدر) في العراق، وغيرهم من القيادات التي طغت على سطح المشهد السياسي العربي أخيراً بحيث عدها بعض المراقبين دليلا على تجذّر الفكر الطائفي والمذهبي البغيض في دولتين شقيقتين كانتا رمزا للتعايش بين الطوائف ومراكز من مراكز التنوير والثقافة والمحبة، والذي استمع إلى (خطبة عاشوراء) للسيدين نصر الله والحكيم.. لا يمكنه إلا أن يقف طويلاً أمام هذا النفس الطائفي الذي ينبعث منهما؛ مما يفقد دعوتهما إلى الوحدة الوطنية والتظاهر السلمي مصداقيتها.. فالذي يدعو إلى الفيدرالية لا يمكنه أن يقنعنا بصدق توجهه الوحدوي.. كما أن التظاهرات التي تسد الشوارع وتحرق الإطارات وتعتدي على الممتلكات الخاصة والعامة لن تقنعنا أنها مظاهرة حضارية وسلمية!
لست طائفياً.. وأشعر بالحزن حين أتحدث بهذا المنطق.. وبنفس ألفاظ القاموس المستجد في ساحتنا العربية، ولكنني مضطر لذلك بغية التحذير من خطورة ما يجري، فالأقوال وحدها لا تكفي لإطفاء لهيب (الاحتقان الطائفي) عند كل فئة.. خاصة وأن الأكثرية السنية في العالم يشعرون بالألم من جراء ما يتعرض له إخوتهم في العراق مثلا من قتل وتهجير وانتقاص من حقوقهم ومن قبل إخوة لهم قاسموهم رغيف الخبز.. ناهيك عن المحتل الذي دمر مدنهم وقراهم بالطائرات والمدافع لكن يبقى (ظلم ذوي القربى أشد مضاضة..)! والمعروف أن السيد الحكيم هو زعيم مليشيا (بدر) المدربة إيرانياً والمتهمة بالذبح على الهوية وبالذات (النخب السنية) والسيد الصدر هو زعيم (جيش المهدي) ومليشياته سيئة السمعة (فرق الموت).
والملفت أن هؤلاء الزعماء الثلاثة يملكون مليشيات أو أحزابا مسلحة تسليحاً مريباً.. خاصة بعد أن انتفى مبرر تسليحهم في ظل وجود دولة ذات جيش وأجهزة تدافع عنهم.
المشهد العراقي واللبناني ليسا في حاجة إلى مزيد من الاقتتال والفرقة و(التمترس) المذهبي بقدر حاجتهما إلى التلاحم والمحبة والنيات السليمة التي تقود إلى زرع الثقة في الآخر.
هناك مأزق حقيقي في كلا البلدين الشقيقين.. ولكننا نراهن على حكمة ووطنية وفطنة أولئك الزعماء في درء الخطر.. وترجمة أقوالهم الجميلة الداعية إلى الوحدة الوطنية والتظاهر السلمي والحضاري.. إلى واقع معاش يشهد به كل الناس.. وإخوتنا المصريون يقولون.. عن الذي يقول قولاً ويفعل خلافه:
(أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أفعالك أستعجب!!)
alassery@hotmail.com