من قال إن الزمن تغيّر؟.. فهذا مشهد شروق الشمس، وهذا مشهد غروبها، يأتيان كل يوم بتعاقب ثابت لم يتغيرا، وهذا البحر وموجه ثابت في مده وجزره وفي حركة، ما سكن في جوفه لم يتغير، وتلك منازل القمر يسكنها بجدول ثابت لم تتغير..
وهذا هو الزرع كما كان دائماً يمر بنفس مراحل نموه ويطرح ثمره في مواسمه، لا أرى شيئاً في موجودات زماننا هذا قد تغير، فلا السنة تغير فيها توالي شهورها وأيامها، ولا القوانين التي تحكم الحركة في هذا الكون الفسيح تغيرت، فهي نفسها منذ وضعت لم تتغير ولن تتغير إلا أن يشاء الله، وهذه الجبال وبقية المخلوقات ترفع صوتاً عالياً لا نسمعه منذ خلقت تسبح بحمد ربها، لا تفتر ولا تتعب ولم تحيد عنه حتى يرث الله الأرض ومن عليها، لا شيء تغيّر في زمن متهم بالتغير.
لم يمل النخل ويتوقف عن صنع شهده، ولا تاهت فراشات الأرض أو انحرفت عن غايتها وهي تقفز من زهرة لأخرى، ولم يتوقف السحاب عن تكونه وانتقاله من مكان إلى آخر وهو يحمل بين يديه بشرى برحمة الله، كل مخلوقات الأرض جمادها وحيوانها وطيرها وحشراتها لم تتغير وتسعى لإفساد ما حولها، ولم تتوقف عن تأدية مهامها وما خلقت لأجله دون كلل أو ملل وبتفان فريد، لا شيء تغير فالليل هو نفسه أول ليل، والنهار كذلك، والهواء والماء وكل ما يخطر على البال هو نفسه منذ كانت هذه الأرض مكاناً لنسكنه، فمن الذي ألصق تهمة التغير على زمن حافظ جلّ ما فيه على رسالته؟.
لا أرى شيئاً تغيّر غير إنسان الزمن، برغباته وقوانينه وقيمه وما يجيش في نفسه، ولا يزال يتغير ويفجر في تغيره على نفسه وعلى كثير مما أوجد قبله، وتتغير تبعاً لهذا أحواله، وقد يحرم بسوء فعله بركات السماء والأرض، وبركات الوقت نفسه، فاتهام الزمن بالتغير في ظل ثبات واضح في كل ما يدخل ضمن حيز هذا الزمن من مقولة العابثين، الذين تاقت نفوسهم لاتباع هواها، والذين تنكروا لكثير من ضوابط هذا الكون الملتزم، ولكثير من القيم والمفاهيم المثلى التي ثبت عليها جماد الأرض ودوابه، ولا يجدون مخرجاً يعولون عليه إطلاق العنان لرغبات أنفسهم وهواها غير اتهام الزمن بالتغير، وأن الحال تفرض أن يتغير الناس لمجارة هذا الزمن المتغير.. والله المستعان.