الدورة العالمية المكثَّفة لحفظ القرآن الكريم بالمسجد الحرام في يومين) مشروع خيري علمي رائع، يُضَمَّ إلى عشرات المشروعات الجميلة التي تخدم كتاب الله وسنة رسوله في بلادنا، مشروع يستحق الإشادة، والدعم المعنويَّ والمادي، ويستحق أنْ ينتشر تطبيقه في عالمنا الإسلامي، لأنَّه يربط الشباب من الجنسين بالقرآن الكريم رّبْطاً قوَّياً في فترة وجيزة، ولأنَّهِ يتح الفرصة للموهوبين منهم ليفوزوا بحفظ كتاب الله عزّ وجلّ في وقت قصير لا يتجاوز ستين يوماً.
بعد إقامة أمسيتي الشعرية التي نظَّمتها الندوة العالمية للشباب الإسلامي في مكة المكرمة تلقيت دعوة كريمة من الأستاذ صالح الزميع المشرف على هذه الدورة المباركة بواسطة الشيخ إبراهيم أبو الهلال، للقاء بما يقرب من مائة شابٍ ملتحقين بدورة تحفيظ القرآن المكثَّفة، واستجبت لهذه الدعوة، وكان اللقاء بهم بعد صلاة الظهر وما أروعه من لقاء، وجوه مضيئة، ونفوسٌ متطلَّعه إلى الخير، وقلوبٌ متشبِّعة بآيات القرآن الكريم التي تظللَّهم ببيانها وبلاغتها وإعجازها وأمرها ونهيها وبشارتها وإنذارها على مدى ما يقرب من عشر ساعات يومياً.
نعم ما أروعه من لقاء في ظلال القرآن الكريم، ومع ثُلَّة مباركة من مقرئي ومشرفي وطلاَّب هذه الدورة المكثَّفة التي بدأت عام 1422هـ حيث تخرج فيها في ذلك العام عشرة طلاَّب فقط، وكانت تجربةً ناجحة شجعت على المواصلة فأقيمت الدورة عام 1423هـ وكان عدد المتخرجين أربعين طالباً، وفي عام 1424هـ بلغ العدد خمسة وخمسين طالباً وخمساً وخمسين طالبة وما زال العدد ينمو، وبرنامج الدورة يتطوَّر حتى بلغ عدد الملتحقين بها هذا العام مائة طالب، ومائة وخمسين طالبة.
لقد أطَّلعت على برنامج هذه الدورة الذي يبدأ قبيل صلاة الفجر، وينتهي بعد صلاة العشاء، ويتم توزيع ساعات اليوم بطريقة مدروسة تحقق الهدف من الدورة وهو حفظ القرآن الكريم كاملاً مع التجويد وحسن التلاوة في شهرين، وتراعي جانب الترويح على الطلاب والطالبات من خلال بعض البرامج الخفيفة والزيارات، التي تُسْهم في تجديد النشاط، وتقوية الاستعداد النفسي والذهني للحفظ.
أما وصف هذه الدورة بالعالميَّة فلأن طلاَّبها من أنحاء العالم، حيث يتم التسجيل عبر الموقع على الشبكة العنكبوتية أو مباشرة، ثم يتمُّ فرز أوراق المتقدمين لاختيار العدد المطلوب سنوياً، وقد رأيت من بين الطلاب طالباً من ألمانيا، وطلاباً من دول إفريقية وآسيوية، إضافةً إلى بعض الطلاب من المملكة والخليج، ومما زادني سروراً لقائي بالأستاذ فوَّاز العنزي الذي قدم إلى مكة ومعه سبعة وثلاثون طالباً من قطر التحقوا بدورة مكثفة على نمط هذه الدورة المقامة في مكة، قدموا معتمرين بمناسبة انتهائهم من حفظ القرآن الكريم خلال شهرين، وزاروا زملاءهم في دورة مكة المكرمة.
هذه الدورة من الأساليب العملية الناجحة -بإذن الله- لخدمة كتابِ الله تعالى، ولمواجهة الحملة الشرسة التي شنَّها ويشنَّها أهل الباطل في أنحاء العالم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فنحن بحاجة إلى العمل المنظَّم الجادّ الواضح، ولسنا بحاجة إلى كثرة الكلام، والمبالغة في العتاب والملام.
مما لفت نظري في أعمال هذه الدورة المكثَّفة، جودة التخطيط والتنفيذ والعناية بالجانب الإعلامي، فهناك نشرة (مجلة) اسمها (العالميَّة) تطبع سنوياً لإبراز نشاط وأعمال الدورة، ولقاء بعض العلماء والمفكرين ونشر معلوماتٍ مركَّزة عما تقوم به دورة تحفيظ القرآن الكريم المكثَّفة في مكة المكرمة. عمل جليلٌ متكامل جزى الله القائمين عليه خيراً.