جاءت اللحظات العصيبة لكل خريجي وخريجات المرحلة الثانوية.. ففي الأسبوع ما قبل الماضي تم إنهاء عمليات القبول الإلكتروني ضمن حدود الثلاثين رغبة التي وجدت في الموقع والتي على الخريجين ذكوراً وإناثاً تعبئتها حتى يمكن قبول طلباتهم في الموقع الموحد للقبول في الجامعات السعودية ولا أعرف كيف تكون رغبتك فعلا في التخصص حين ترغم على الخيار .....
.....من ضمن ثلاثين تخصصا موجودة عليك أن ترتبها حسب أهميتها بالنسبة لك وستكون محظوظا لو قبلت في الرغبة الثلاثين!
ورغم أن المقاعد الجامعية التي إتاحتها الجامعات في مختلف أنحاء المملكة زادت بأكثر من 8% عن العام الماضي كما أنها تتوازي تقريبا مع أعداد الخريجين من الثانوية والذين قدر عددهم بأكثر من 270 ألف ورغم أن طرق حساب ما يسمي بالنسبة المتوازنة يختلف من كلية إلى أخري حسب تخصصها ألا أن الكثير من خريجي الثانوية أصيبوا بالفزع والخيبة وخاصة أولئك الذين تمتعوا بنسب في الثانوية العامة فاقت الخمس وتسعين حيث جاءت رغبات الكثير من الطلاب موزعة بين تخصصات يعرفون سلفا أنهم لن يكملوا فيها ويعرفون أن ما سيفعلونه سيكون ككل ما يفعله الطلبة والطالبات السعوديون في جامعاتنا.. التنقل والتحويل من كلية إلى كلية ومن قسم إلى آخر حتى لو كان ذلك يعني ضياع سنوات من عمرهم كما انه بالتأكيد يعني هدرا واضحا لإمكانات الجامعات المادية والبشرية فطلاب السنة الأولي لأقسام كالتاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع وبعض التخصصات في الجامعات الإسلامية وغيرها من التخصصات التي لا تساعد الخريج على العثور على مهنة في سوق العمل مستقبلا ورغم السنة التحضيرية والتي تم إلزام طلاب بعض الكليات وعلى الخصوص الصحية منها إلا أننا نعرف أن الكثير منهم سيسعون للتحويل إلى أقسام أو كليات أو جامعات أخري مما يعني أن الأقسام التي تم تسجيلهم فيها مبدئيا لا تستطيع واقعيا تحديد احتياجاتها البشرية والمادية للسنوات التي تعقب السنة الأولي للمقبولين فيها إضافة إلى ما سيولده هذا التحويل والتعثر من ضغط على الأقسام المرغوبة مع ارتفاع نسب التحويل والوسائط وهي اليوم التخصصات ذات العلاقة بالطب البشري والاقتصاد والمال والقانون والحاسب الآلي (ومن يلوم الأجيال على ذلك)!
المشكلة هي ورغم أننا جميعا تحدثنا عن عدم عدالة النسب المئوية المعطاة للطلاب في الثانوية من مدارسهم والتي قد لا تمثل المستوي الحقيقي للطلاب والطالبات خاصة في حمي الامتحانات والدرجات التي تعطيها معظم مدارس القطاع الخاص وعدم قدرة الوزارة على وضع معايير واضحة لإعطاء الدرجات والتقديرات تلتزم بها هذه المدارس مما يعني أن تقدير ممتاز من مدارس X مثلا لا تعني أبدا امتياز كما هو متعارف عليه حسب المعايير العلمية كما أن حاملها لم يبذل نفس الجهد بالضرورة الذي يستحق درجة الامتياز التي حصل عليها آخر من مدرسة خاصة معروفة بمعاييرها أو مدرسة حكومية تتمتع بإشراف قوي من الوزارة والأمر نفسه ينطبق على النسب المعطاة من المناطق والقرى التي لا يمكن الحكم على درجة مصداقيتها وهو ما يفسر أن أكثر من 40% من خريجي المرحلة الثانوية حصلوا على امتياز أو قريب منه!
هذا يعني أن كل من وزراه التعليم العالي والدولة كانت بحاجة إلى معايير أكثر شفافية في تقدير مستوي الطالب وأحقيته في دخول تخصصات معينة من خلال وسائل أخري ومن هنا تم إقرار امتحان القدرات والامتحان ألتحصيلي لتوزيع خريجي الثانوية على التخصصات المختلفة عبر مركز متخصص في ذلك تم إنشاؤه تحت مسي مركز القياس والتقويم.
المشكلة التي تلت ذلك هو أن امتحان القدرات في العادة يأتي (وفي كل البلدان التي يطبق فيها) انعكاسا للمهارات التي تم تدريب الطلبة عليها خلال دراستهم في التعليم العام (من الابتدائي وحتى نهاية الثانوية) وهو الأمر الذي لا يحدث هنا. التعليم وكما نعرف يعكس آلية تلقينية وحفظية تعكس نفسها في امتحانات الثانوية التي يستقتل الطلبة في عبورها للحصول على تقديرات عالية تمكنهم من الالتحاق بالتخصصات التي يرغبونها و هم يمضون وخاصة خلال سنتهم الأخيرة في السهر عليها وهو ما جعل بيوتنا أشبه ببيوت أسر العائلات المصرية التي كنا نشاهدها في الأفلام المصرية ونموت من الرعب مع الأسرة التي لا تنام وهاهو الغول ينتقل لأسرنا التي تبقي ساهرة مع مراهقيها حتى يعبروا امتحان شهادة الثانوية العامة لكن حتى هذا الامتحان لم يعد كافيا لعبور الجسور الصعبة وجاء امتحان القدرات الذي لا يوجد تدريب خاص له وبالذات للبنات ولا دورات ألا ما ندر ولمدد محدودة رغم أن هذا النوع من الامتحانات في العادة يتم التدرب عليها والاستعداد لها أشهرا طويلة قبل الامتحان بالنسبة لكافة البلدان مثل الولايات المتحدة في امتحان السات SAT الأول والثاني وكذلك اليابان وبريطانيا وغيرها من الدول التي تتطلب أنظمة الدخول في جامعاتها امتحانات مشابهة. البنات أيضا يرغمن على أداء امتحان القدرات والتحصيلي دفعة واحدة ولمرة واحدة فقط في حين يتمتع نظراءهم من الطلاب الذكور بأداء امتحان القدرات لوحدة ثم الامتحان ألتحصيلي بعده كما إن لهم الحق في أربع محاولات ويتم اختيار أحسن الدرجات له وبذا فالذكر ليس فقط يحصل على حق أثنين بل على حق أربع إناث!! أي جور !!!
من حق الأنظمة التربوية أن تتطور ومن حقها وتبعا للمعايير العالمية التي أخذت ترسيها المنظمات العالمية التربوية المسئولة عن القياسات أن تضع المعايير التي توفر حدا مقبولا ويتماشي مع ما هو سائد في المؤسسات التعليمية الموازية في باقي أنحاء العالم لضمان مدخلات مناسبة لمتطلبات المؤسسات الجامعية تضمن القدرة على تخريج مخرجات جيدة تتوافر فيها المهارات والقدرات التي يتطلبها الوطن في قاعدته البشرية الشابة غير انه و في ذات الوقت يتطلب الأمر توفير أرضية مناسبة من الأعداد لهذه الاختبارات تتبناها مدارس التعليم العام وفي حال أننا وحتى الآن مازلنا عاجزون عن تغيير محتوي بعض المناهج المقدمة في التعليم العام بدرجة تسمح بتوفير المهارات المطلوبة في هذه الامتحانات كالمنطق والقدرة على حل المشكلات والتفكير الناقد الخ فلا اقل من توفير دورات وتدريب منظم تتبناه المدارس نفسها منذ بداية العام الثالث للطالبات في الثانوية وذلك على غرار ما يحدث في مدارس البنين إضافة إلى ضرورة توفير العدالة بين المتعلمين والداخلين إلى هذه الامتحانات بعدد المرات المسموح لهم فيها بأداء الامتحان بغض النظر عن جنسهم فإذا سمح للبنين بأربع محاولات فلابد للأجهزة المسئولة عن هذه الامتحانات توفير الإمكانات المادية والبشرية التي توفر نفس الفرص الأربع للبنات حيث تقرر هذه الامتحانات إلى حد كبير مستقبل الجميع ذكورا وإناثا وقد تعطي مؤشرا على مدي قدرتهم على اجتياز سنوات الدراسة الجامعية بنجاح.المملكة منذ 2003 وقعت على معاهدة عدم التمييز ضد المرأة (سيداو) ونحن نفخر بذلك في كل محفل وتعمل الدولة جاهدة على متابعة الأنظمة ومحاولة تطبيق ذلك قدر استطاعتها وعلى مراحل زمنية يستطيع الملاحظ متابعتها ولعل امتحانات القدرات والتحصيلي تكون أحد المناطق المشتبكة بين الجنسين التي يحسن العدالة فيها لفض نزاع لا داع له.