فالظاهر من هذين البيتين أن المتنبي كان في حيرة من أمره، حيث كان هناك - في الأرض العربية - من كان يخطط لقتله، فقرر هو أن يسبقه فيقتله، فكانت وسيلته في ذلك أن يدركه ويصل إليه على جواد ظهره كالحرم لراكبه لأنه في أمن وهو على ظهره، وقبل أن يدرك المتنبي عدوه ويقضي عليه ركب جواده ثم أمر جواده بأن يركض به بعد أن يجمع رجليه برجل واحدة، ويديه بيد واحدة حتى يركض به على اثنتين، كما يركض العرب والعربان على أرجلهم، وبما أن أبا الطيب كان في سرعة من أمره وله هدف في اللحاق بغريمه قبل أن يلحق به، فكان يستحث ويستعجل جواده في ركضه بضربه بسوطه وركله بقدميه، وبهذا الفعل وصل المتنبي إلى عدوه وقضى عليه، الذي يهمنا هنا هو ماهية ركض العرب في عالم اليوم، فالعرب يركضون في كل الاتجاهات، ولكن ركضهم إلى الخلف وبدون هدف بعكس ركض جواد المتنبي، وهم في ركضهم هذا يضربون بسياط التأخر، ويركلون بأرجل الجهل حتى يركضوا إلى الخلف، ومن لم يركض منهم فالقيد في رجليه تجره القبيلة بسلاسلها الغليظة إلى الخلف، أو يجره التزمت والتطرف في نفس الاتجاه، ومن سلم من القيد والسلسلة والجر، دفن المجتمع بخرافاته ومعتقداته المنافية للدين والأخلاق رجليه في حفرة أبدية لايخرج منها فهو متحجر لايركض لا إلى أمام ولا إلى خلف ثابت في مكانه.