يبدو أن النظرية العلمية الحديثة القائمة على فكرة الهرم المقلوب لم تعد تقتصر على الجوانب العلمية، ولكنها تجاوزت ذلك إلى الحياة العامة، حيث تم قلب القاعدة أيضاً، فقد نشرت وسائل الإعلام عن مطالبات لدراسة مجلس الشورى لتحرش النساء بالرجال في بيئات العمل في السعودية، وهو عكس ما يحصل في كثير من دول العالم، التي تعتبر نفسها شعوباً ومجتمعات.....
.....طبيعية، يحصل فيها تحرش بنسب مختلفة -حسب الدولة- وظروفها الاجتماعية من الرجال تجاه النساء، ولعل القصص المنشورة مؤخراً عن تحرش الشباب بالنساء في دولة مصر العربية أمام دور السينما، وفي بعض الشوارع الأشهر التي تكتظ بالحركة والتي وصل بهم الحال إلى قيامهم بتمزيق ثياب بعض الفتيات، ولجوء بعضهن إلى محلات تجارية وبقاؤهن داخل المحال التجارية، وقيام أصحاب تلك المحلات بإغلاق المحل حماية لهن، تعد أحدث القصص التي شهدتها مصر مؤخراً.
أما في السعودية فالأمر مختلف -وإن كنت أتحفظ على ذلك- حيث تقدم عضو مجلس الشورى مازن بليلة، بطلب دراسة ظاهرة تحرش النساء بالرجال في مواقع العمل بالسعودية، وقد تم تأجيل دراسة هذا الطلب لعدة جلسات بالمجلس، الأمر الذي أدى إلى تأجيل مناقشة هذا الموضوع لأجل غير مسمى لعدم اكتمال آليات الموضوع وعدم وجود إحصائيات من جهات حكومية مثل وزارة العدل والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والكتب الإحصائية والأرقام التي تؤكد تعرض الرجال للتحرش النسائي في بيئة العمل.
وهو خبر جديد، يمتاز بالطرافة، ومثير للدهشة، لأنه على مستوى تعريفات الخبر الصحفي، فإن أشهرها كان تعريف اللورد نوثكليف في العام 1865م (إذا عضّ إنسان كلباً فهذا هو الخبر، وليس العكس).. ولو عدنا بالهرم إلى وضعه الطبيعي لوجدنا الإحصائيات تشير إلى أن ظاهرة التحرش بالنساء بلغت ما نسبته 215% حيث ارتفع العدد من 1031 في العام 1426هـ إلى 3253 قضية في العام 1427هـ، فيما ارتفعت نسبة قضايا الاعتداء على العرض في العام نفسه إلى 25% وارتفعت حالات الاغتصاب إلى 75% فيما بلغت قضايا اختطاف النساء إلى نسبة 10% من خلال البيانات المنشورة حديثاً المنسوبة لوزارة الداخلية.
تشير اللقاءات الميدانية مع السيدات والبنات إلى مطالباتهن بوجود عقوبات صارمة ورادعة لمثل هذه السلوكيات والاعتداءات على الغير والتي تعتبر من صلب قضايا حقوق الإنسان. ولو تأملنا مثل هذه الظواهر عموماً في مجتمعنا المتشرب بالعادات والتقاليد، والذي يجعل من الإسلام منهجاً وعقيدة ترسخ في داخل كل شاب وشابة تجريم مثل هذه السلوكيات، واعتبارها أعمالاً لا أخلاقية، وسلوكيات محرمة ومشينة لا تصدر عن شاب أو شابة لديه القدر اليسير من الاحترام للذات، أو الإيمان بالمبادئ والقيم الدينية أو الاجتماعية، ومع ذلك كله، ورغم اعتماد مدارسنا على ترسيخ مثل هذه القيم والمبادئ في أذهان الطلاب والطالبات في كافة مراحل التعليم إلا أن مثل هذه الظواهر في ازدياد مستمر، وهو ما جعل الكثير من المربين يتساءلون عن نتائج وعوائد التعليم السلوكية على أبنائنا، خاصة وأن التعليم هو تعديل للسلوك في تعريفة الأولي، والإجابة على هذا التساؤل تطرح بكل بساطة إجابة تؤكد على أن أسلوب تدريس مثل هذه القيم، ونقلها للطلاب هو العامل الأساس في ترسيخها، حيث تكون ليست ذات جدوى ما دامت تلقينية، وليست عملاً تفاعلياً، يتلمس حياة الأبناء بشكل مباشر، ويتحسس احتياجاتهم لمبدأ تربوي يعتمد على القدوة أولاً، ثم المنهج التفاعلي الذي يربط السلوك بالنظرية، ويربط السلوك بالمبادئ والقيم، والنظر إلى جوهر الإسلام الذي يبني في الأبناء حب هذا الدين العظيم، أكثر من أن يظل مجرد طقوس شكلية، بدون أن تؤثر تلك الطقوس العظيمة في فاعليها، وهو ما يجعل الصلاة على سبيل المثال في يوم من الأيام تنهى عن الفحشاء والمنكر إذا ما طبقت بشكل صحيح، وأصبح الخشوع والرغبة في القرب من الله، ومحبة الله ورسوله أولى المبادئ التي يجب أن تسهم في ترسيخ قيمنا العظيمة.
Kald_2345@hotmail.com