لا يزال بحر القدماء معينا ثرَّاً للنفوس والعقول وتأسيس الحكمة ضالة الحاضر، إذ كلَّما فتحت قراطيسهم أبحرت، بينما كلما فتحت قراطيس المحدثين تسطحت، تلك السمة الغالبة لا النخبة المستثناة، وغالباً ما تضيع القلة في الكثرة، وتتبخر القطرة في شساعة القيظ..
ولا تزال قواعد القيم التي أسسوها قوية قائمة، وإن تنقَضُّ في مواجهة سيل الطمي الزاحف لقشورها في الراهن...
هذا رمضان ببركاته وفرصه وسوانحه وهباته ونسائمه الروحية على أقرب باب لفتحة الروح، ولشغف النفس، ولدمعة مختبئة تراكمت في المحجر لحين صفاء يمنحه، ومكاشفة صومه لشبع سواه، لمواجهة أديم الذاكرة.
وبسط قراطيس الفعل والقول، ينتظره أولئك بشغف الراجين فيه تطهيرا، ليشمروا عن هممهم ويحيوا لياليه عبادة ونهاراته انشغالا بطاعات لجم لشهوة، وإن كانت قطرة ماء تستلذ بها حنجرة ظامئة، أو تجاوز عن سهو ضل فيه عابر، فبماذا ينتظر رمضان هؤلاء؟
بحثيث ركض نحو الأسواق لما لذ وطاب، لا تكفيهم فيه لقمة تطهير وقطرة انتصار على أمارة النفس، كما الذي تفعله هذه النفس إغراقا في مطالبها من السنة أحد عشر شهرا، ويهيئون الأماكن لمواجهة شاشات الفضاء لإحياء لياليه في الركض وراء ما تنافست عليه من عروض برامجية وقصص ممثلة.
بعدد لياليه وساعاته، وكأن رمضان شهر خاص للترفيه والمشاهدة والسهر في العرف على طاقات الفنانين وإجراء المناقشات فيمن قدَّم فأبدع، أو سبق فنال حظوة الإعجاب من لحظة تناول وجبة الإفطار إلى ما بعد صلاة الفجر..
** ضلال حكمة، وفراغ قلب وتيه ذهن، وهشاشة بناء، وضعف عزيمة.. وجداول شحيحة تبخرها أضواء الشاشات لا شحنات الشمس.
** أبنية قيم لا أعمدة لها ولا قواعد..
** فمن يعقد مقارنة بين بحر القدماء وجداول المعاصرين؟ في الكثرة لا في القلة، في الغالبة عليهم بروق العصر,لا الناجية منهم في فلك السابقين؟.