Al Jazirah NewsPaper Friday  07/08/2009 G Issue 13462
الجمعة 16 شعبان 1430   العدد  13462
إدارة العمر
د. هدى بنت دليجان الدليجان

 

جاء الإسلام ليقيم الأمة الوسط في نظامها وأحكامها، تضبط موازينها على أساس العدل، وتؤرخ أيامها وشهورها بالهلال القمري والحساب الشهري.

ولم يكن في أمة من الأمم مثل هذا النظام الدقيق الذي علمه الله تعالى هذه الأمة في حساب شهورها وأيامها، وذلك لحكم جليلة، وفوائد عديدة، ومن أعظمها: حساب الزمن وإدارة العمر وتنظيم الحياة.

فالساعات والأيام والشهور والسنين هي مجموع عمر ابن آدم الذي قدره الله تعالى للمكث في هذه الدنيا، ومن ثم يتبعه المكث في القبور إلى يوم البعث.

وعندما يأتي الناس في يوم البعث، يسألون عن مقدار لبثهم في الأرض، فتضيع المصطلحات الحسابية، وتنتهي قدراتهم العددية فيتحيرون في الجواب - وهم في غاية الذل والانكسار - قال تعالى: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ. قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ. قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلا قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} (المؤمنون: 112 - 116).

ومن علامات آخر الزمان سرعة الأوقات وتقارب السنوات حتى تكون السنة كشهر والشهر كأسبوع والأسبوع كيوم واليوم كساعة، وهكذا تمضي الأعمار، وتمر الأزمان، ويظل العادون يدركون أهمية العدد، ويحسون بقصر تلك الحياة وضآلتها، ويحسبون لما بعدها من المكث في القبور والبعث.

ويظل الإيمان بالبعث وانتظار الحساب والجزاء اعتقاد المؤمن الجازم الذي لا يشك فيه، فيحاسب نفسه على كل صغيرة وكبيرة، ويحسب عمره بانقضاء الليالي والأيام، ولا يتوانى في إدراك ما فاته من اللحظات والدقات ليعمرها بالخير والعطاء، سواء كانت تلك الأيام من عداد أيام الإجازات أو من أيام العمل والاجتهاد.

ومن الإشكالات العجيبة في هذا الزمان أن يتناسى الناس حساب الأيام، فإذا بدأت الأعمال انتظروا الإجازات، وإذا انقضت الرحلات والمناسبات قالوا لم يمر علينا مثل سرعة هذه الأوقات، حتى أن بعضهم يبدأ بحساب الإجازات القادمة من أول أيام الدراسة، حتى شب على ذلك الصغير وهرم عليه الكبير، فضاعت متعة الفروق بين الأوقات، والاستعداد لبذل الطاقات.

فحري عند استقبال المواسم الزمنية، كاستقبال الإجازة في نهاية العام الدراسي، ومواسم الخيرات، أن ندرك حقيقة العمر، وأن نحسب حساب الزمن، وأن نتدارك ما فاتنا من العبادات في غضون المشاغل والأعمال أو ما فرطنا فيه في أيام الإجازات، وأن نستغل أيامنا القادمة بالعمل الجاد الدؤوب المثمر لديننا وأمتنا، وما يثقل به موازيننا يوم يكشف الكتاب، ويزداد الاضطراب، فيضيع الجواب إلا عن العادين الذين استعدوا ليوم الحساب.



drhuda87@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد