المتأمل لمسيرة جمعيات تحفيظ القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية يجد أن الجمعيات استطاعت -ورغم عمرها القصير- أن تساهم مساهمة فعّالة في تعليم القرآن وحفظه وتجويده وتشجيع أبناء البلاد والمقيمين على ذلك. وقد أثمر هذا الجهد العظيم في مكاسب عديدة، يأتي في مقدمتها ارتباط الشباب ذكوراً وإناثاً بكتاب ربهم، وهذا ساهم في حفظ الشباب وتأدبهم بآداب القرآن. وكل منصف ومتابع لمسيرة الجمعيات يشهد بهذه الحقيقة. وحيث إن الحكمة ضالة المؤمن، وكذلك اختيار الوسائل التي تحقق هذا الهدف أمر حثّ عليه ديننا، فما دام أن المطلوب تحقيق الغايات السليمة فإن الوسائل المستخدمة لتحقيق هذه الغايات ينبغي الحرص عليه. وقد يسر الله لي زيارة جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالطائف، هذه الجمعية المباركة التي استطاعت مع أخواتها بقية الجمعيات بالمملكة أن تخرج مجموعة كبيرة من الشباب ومن الصغار والكبار يحفظون كتاب الله ويتلونه حق تلاوته، ولكن هذا أمر بمعروف ومعلوم، والذي لفت انتباهي بل وأسعدني وسررت به غاية السرور أن هذه الجمعية -وفقها الله- ممثلة في فضيلة رئيس مجلسها الدكتور أحمد السهلي وزملائه من أصحاب الفضيلة والسعادة أعضاء المجلس، استطاعوا أن يطوعوا شبكة الإنترنت في نشر القرآن وتعليمه، ليس في هذه البلاد المباركة فحسب ولكن في سائر أنحاء المعمورة، وذلك عبر القراءة الإلكترونية على الهواء مباشرة باستخدام البرنامج البالتوك. وقد استمعت الى هذا البرنامج وإلى قراءات المنتسبين له وإلى قراءات المشاركين له في العالم، واطلعت على الإحصائيات فوجدت أنه يشارك في هذه القراءة يومياً مائة وخمسون مشاركاً ويتلون القرآن تلاوة صحيحة، وتقوم المقرأة بمساعدة ثمانين مشاركاً على حفظ خمسة أجزاء من القرآن الكريم، وتقوم المقرأة بتخريج عشرة من حفاظ كتاب الله كل ثلاث سنوات ويصحب ذلك شرح وبيان أحكام التجويد وتعليم روايات القرآن السبع والعشر وإلقاء المحاضرات الأسبوعية عن الإعجاز القرآني وفتح منتدى حواري للمشاركين في القرآن. ونستخلص من هذا الجهد المبارك أن له أهمية عظيمة في تعليم القرآن الكريم وتجويده وإيجاد وسيلة علمية لكثير من الجاليات العربية والإسلامية الى تعليم القرآن وتلاوته تلاوة صحيحة وبخاصة في الدول الغربية التي يقل فيها تعليم كتاب الله. الأمر الآخر أنه يتيح إيجاد جسور من التواصل بين الجاليات الإسلامية التي تعيش في الخارج وبين هذه المقرأة.
إنني من خلال هذا الاستعراض لهذا الجهد الموفق بإذن الله أجد أن الإعلام مطالب بإبراز هذا العمل وغيره من مناشط جمعيات تحفظ القرآن الكريم لأن ذلك يدخل في عموم الخيرية التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عثمان عندما قال خيركم من تعلم القرآن وعلمه. الإعلام مطالب بإبراز هذه المناشط لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم لأن ذلك يساعد الشباب نحو التربية الصحيحة ونحو تشجيعهم وترغيبهم في حفظ القرآن والتأدب بآدابه. الإعلام مطالب بإبراز الشباب الذين أكرمهم الله بحفظ القرآن ليكونوا قدوة صالحة لغيرهم ويحتذوا حذوهم. وهؤلاء الفتية من حفظة كتاب الله حري بالمجتمع ممثلاً بقياداته التربوية وإعلامه الهادف أن يشجعهم ويبرز خصائصهم، كما أن محبي الخير -وهم كثر في بلادنا ولله الحمد- حري بهم إيجاد الأوقاف التي تساهم في دعم الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم لكي تستمر في أدائها ليس في هذا العصر فحسب، ولكن في عصور قادمة بإذن الله، والله يقول (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ). والله من وراء القصد. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
عضو المحكمة العليا