كتب - فهد المقبل
تُعنى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحاربة الآفات الاجتماعية الضارة التي تفسد العقيدة وتدمر السلوكيات الإنسانية وتضر بقضايا المجتمع وأهدافه وغاياته.. ومن الآفات الضارة التي ابتلي بها عدد من المجتمعات الإسلامية آفة السحر والشعوذة، التي تنتشر على الرغم من ازدياد فرص التعليم والتقدم العلمي والتقني الكبير الذي تشهده غالبية المجتمعات اليوم.
وتسعى الهيئة إلى محاصرة السحرة والمشعوذين الذين يبيعون الأوهام ويخدعون البسطاء وينشرون الخرافات والبدع وكل ما لم ينزل الله به من سلطان، وقد حققت الهيئة في ذلك نجاحات ملموسة أمكنتها من حفظ الوطن من هذه البؤر القائمة على الخرافة والدجل.
والمعروف أن السحر في اللغة يُطلق على معانٍ منها: الخداع، والاستمالة، والتمويه، واصطلاحاً: كلام يتكلم به الساحر أو يكتبه أو يعمل به شيئاً يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله.. والسحر له حقيقة فمنه ما يقتل، ومنه ما يمرض، ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه، وكل هذه الأشياء واقعة بين الساحر والشيطان الموكل بعمل ذلك ولا تتم إلا بحصول منفعة بينهما، فالساحر يفعل المحرمات والشركيات مقابل مساعدة الشيطان له فيما يطلب منه.
وليس السحر بالشيء الجديد على المجتمعات، بل عُرف في القدم في أمم مختلفة، حتى إن كلَّ رسول كان يبعثه الله إلى قومه كانوا يتهمونه بالسحر قال تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}، وقوله تعالى: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ...} الآية.
والمعروف أن السحر يزدهر في الأزمان التي يكثر فيها الجهل وبُعْد الناس عن الدين والعلم.. وعندما، جاء الإسلام، كانت من أولويات النبي صلى الله عليه وسلم محاربة السحر والسحرة، والتحذير من السِّحْر، ومن أن الساحر لا يفلح، قال تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}، ولهذا فعمل السحر يعتبر مخرجاً من ملة الإسلام، وقد حَكَم على الساحر بالقتل، وذلك لوقف شره وضرره عن الأمة، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: {حد الساحر ضربة السيف}.
وقد تعددت آراء العلماء في كلمة السحر، فقال الشيخ ابن جبرين - رحمه الله -: السحر هو عمل شيطاني، يتقرب الساحر به إلى الجن بالذبح لهم، أو دعائهم من دون الله، أو ترك الصلاة، أو أكل النجاسات ونحو ذلك، حتى تخدمه الشياطين ومردة الجن، فيلبسون من يريده، ويقتلون ويعوقون ويعقدون الرجل عن امرأته، ويصرفون أحدهما عن الآخر ونحو ذلك.. وعلى هذا فالساحر مشرك كافر، لأجل تقربه إلى غير الله بهذه الأعمال، فلذلك ورد الأمر بقتله، وثبت ذلك عن عمر بن الخطاب، وابنته حفصة، وجندب رضي الله عنهم.
أما الشيخ محمد العثيمين - رحمه الله - فقال: السحر من أعظم ما يكون في الجناية على بني آدم، فهو يفسد عليه دينه ودنياه، ويقلقه فيصبح كالبهائم، بل أسوأ من ذلك، فالآدمي إذا صُرف عن طبيعته وفطرته لحقه من الضيق والقلق ما لا يعلمه إلا رب العباد.
ويرى عدد من علماء الاجتماع أن انتشار السحر والخرافات والفضائيات التي تروج لها يعود لرغبة أصحاب المشاكل في تجربة أية وسيلة أو رغبة علمية للحصول على مقاصدهم، مثل لجوء الزوجة العاقر إلى المشعوذين للحمل، في حين أن العلم تطور لإمكانية معالجة هذه المشاكل.
ولم يعد السحر بظهور مثل هذه الفضائيات مقتصراً على الجهلة وقليلي التعليم، بل وصل إلى أبعد من ذلك.
ويسوق العلماء العديد من الأمور للوقاية من السحر قبل وقوعه من ذلك:
- التحصن بالدعوات والأذكار المشروعة مثل قراءة آية الكرسي، وسور الإخلاص والمعوذتين، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء.
- أكل سبع تمرات على الريق صباحاً لقوله صلى الله عليه وسلم: {من اصطبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سُم ولا سحر}.
- الاستعاذة بالله تعالى، فإن السحر فيه نزغات من الشيطان، والله تعالى يقول: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}
- قراءة آخر آيتين من سورة البقرة.. إذا قرأهما الإنسان في ليلة كفتاه.
أما بالنسبة إلى كيفية علاج السحر بعد وقوعه، فيمكن تلخيص ذلك في:
- التوجه إلى الله تعالى، ولذا قال إبراهيم عليه السلام: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}، فالتوجه إلى الله بالدعاء والتضرع من أعظم الأمور التي تنفع في ذهاب ما ألمَّ بالإنسان من سحر.
- التعرف على مكان السحر وإبطاله، ويكون ذلك بدعاء الله كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حينما سحره لبيد بن الأعصم.
- الرقية الشرعية وهي القراءة على المريض بكلام الله أو بالأدعية الشرعية.
ولهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دور هام في مواجهة هذه الآفة (السحر) من خلال المراكز الميدانية المنتشرة في أنحاء المملكة كما قامت بإعداد خطة طويلة الأمد لمكافحتها.. ولقد بيَّن وكيل الرئيس العام والمشرف على تنفيذ خطة مكافحة السحر والشعوذة د. إبراهيم بن سليمان الهويمل أن الخطة تركز على مكافحة السحر والشعوذة والمشعوذين وتوعية المجتمع بخطرهم ومنع استخدام الأساليب المخالفة في الرقية من خلال تطوير قدرات العاملين في الرئاسة والتعاون الإيجابي مع الجهات الأخرى وتفعيلها لمكافحة هذا الخطر.
وأشار فضيلته إلى أن الهيئة أنشأت وحدة مركزية في الرئاسة تحت مسمى: (وحدة مكافحة السحر والشعوذة) تقوم على المشاركة للإدارات العامة في الرئاسة ببرامج تعتمد على الشمولية وتوظيف جميع المختصين في الرئاسة وتفعيل العمل في الفروع من خلال المراكز المخصصة لمكافحة السحر والشعوذة في المدن وبيان مهامها الميدانية وبقية مراكز الهيئة.
وتابع د. الهويمل: كما تضمنت برامج الخطة التعاون مع الجهات ذات العلاقة مثل وزارة الداخلية وما يتبعها من أجهزة أمنية وهيئة التحقيق والادعاء العام ومصلحة الجمارك ووزارة التربية والتعليم والرئاسة العامة لرعاية الشباب وغيرها.
وبناء على ما سبق يمكن القول إن دور الهيئة في هذا الصدد يهدف إلى التحذير من السحر، ونشر الوعي بين الناس بخطورته وضرره وكيفية العلاج منه، وضبط السحرة ومتابعتهم، ومتابعة قضايا السحر والشعوذة، إلى جانب وسائل توعوية مثل:
- إقامة الدورات والمحاضرات والندوات للتوعية بخطورة السحر على الفرد والمجتمع.
- إعداد المطويات والكتب للتوعية من هذه الآفة الخطيرة.
- إقامة معارض دعوية حول مضار السحر.
- المشاركة في وسائل الإعلام المختلفة للتحذير من السحر والسحرة وبيان أهمية مواجهة ذلك.