من منا لا يعشق النجاح؟ من منا لا يتطلع للتحسين والتطوير الشامل المستمر؟ من منا لا تشرئب نفسه للذة تحقيق الأهداف؟ إن أسباب النجاح في العمل المؤسسي كثيرة جداً، فالدعم المادي مطلب، والتقنية ضرورة، ومهارة العاملين أمر لابد منه، والتخطيط والمتابعة من المسلمات، إضافة للقيادة الواعية.
إلا أن تلك العوامل ليست وحدها السبب الحقيقي للنجاح. إن النجاح الحقيقي والتصدر يرجع إلى أمور عدة منها كون المؤسسة قادرة على الوفاء باحتياجات العاملين لديها، وتطلعات المستهدفين منها، ونتيجة لذلك فهي تحسن اختيار القادة للمواقع القيادية، وتجذب أفضل العاملين إليها، ومن ثم تقوم على تأهيلهم وبناء قدراتهم وتطويرهم التطوير الذي يخدم أهداف المؤسسة، وتدفعهم لتنمية ذواتهم، بل تجعل من معايير الترقي الوظيفي مقدار ما يطور المرء نفسه وما يقدم للمجتمع من إسهامات وفعاليات في مجال وظيفته تتعدى النفس للغير. وبين هذا وذاك تهتم بالمناخ العام للمؤسسة الذي يشيع الثقة في العاملين ويشجعهم على التنمية والعطاء الأفضل.
هذا النوع من المؤسسات في حقيقته يقدم فهم دوافع الرغبة في العمل لدى الموظفين، ويوجه نظم وثقافة ورسالة وأهداف المؤسسة نحو الاهتمام بالعوامل التي من شأنها التحفيز للعمل والإنتاجية.
وهنا لا تقتصر وظيفة القائد في المؤسسة أن يعرف العاملين بها على واجباتهم التي يجب أن يفعلوها، والأمور التي يجب أن يجتنبوها، ويبحث عن أسباب تأخر فلان، وتقاعس علان، بل القائد هو الذي يركز على إجابة السؤال: (ما الذي يحفز العاملين وما الذي يجعلهم أكثر إنتاجاً وحبّاً للعمل؟).
وإن أكبر تحدٍّ للمؤسسات هو معرفة التوقيت المناسب لإصدار التوجيهات، والتوقيت المناسب للالتزام بالصمت وعدم التدخل وتفويض الأمر للمرؤوسين.
ضل روبرت هـ. ووترمان الطريق في المدينة في إحدى الأيام فاتجه إلى أحد مكاتب شركات خدمات البريد، وفوجئ بمعاملة غير عادية من الذوق، وحسن الخلق في التعامل حتى أن أحد الموظفين خرج ليصحبه إلى المكان الذي يريده رغم أنه ليس عميلاً لديهم. فخرج صاحبنا وقد أخذ تصوراً إيجابياً عن هذه الشركة.
وهنا يثار التساؤل: كيف نجعل جميع العاملين في مؤسسة واحدة على هذا القدر من الأدب والألفة والرغبة في تقديم المساعدة؟ ورغم أن الإجابة ليست سهلة فإنها تتلخص في شعار واحد، وهو دع العاملين يتولون مسئولية العمل بالكامل واجعل اهتمامك أنت كقائد بالعاملين. إن على المؤسسات أن تعرف العاملين بما لديهم من قدرات ومواهب كامنة وتثني ثم تثني تم تثني عليهم علناً وتعمل على إبراز تلك المواهب وتحسن الاستفادة منها، وتفوضهم وتعطيهم صلاحيات، وتحاسب على الأعمال سراً وهي في ذلك لا تتوجه لنقد الأشخاص بل لنقد أعمالهم والحكم عليها ويبقى للعاملين احترامهم ومكانتهم الإنسانية.
ختاماً أخرج البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة، فلم يجد علياً في البيت، فقال: أين ابن عمك. قالت: كان بيني وبينه شيء، فغاضبني فخرج، فلم يقل عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان: انظر أين هو. فجاء فقال: يا رسول الله، هو في المسجد راقد، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع، قد سقط رداؤه عن شقه، وأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول: قم أبا تراب، قم أبا تراب.
فمتى يصل القادة لهذا الخلق الجم من السؤال عن العاملين معهم وتتبع حاجاتهم والرأفة بهم وإشعارهم بالقرب منهم ومساندتهم حتى في أمور حياتهم الخاصة. ولك أخي القارئ الكريم أن تتخيل كيف سيتعلق العامل بالمؤسسة التي سيشعر فيها بالبيئة الصحية المفعمة بالحب والتقدير والإجلال وكيف ستكون إنتاجيته.
Fahd1413@hotmail.com