هناك أحلام اليقظة وأحلام النوم، وأحلام اليقظة أحلام جميلة سعيدة لأن المرء يختارها بنفسه، في الوقت الذي يحدده، وغالباً ما يقع الاختيار على ما هو غير متاح لدى المرء، فمن يملك قصراً منيفاً لا يلتفت إلى حلم امتلاك مثل ذلك القصر ومن لديه طائرة خاصة فمن الطبيعي ألا يدور بخلده استجلاب ذلك الحلم ليعطيه مزيداً من السعادة الوهمية، غير أن من لا يملك سيارة أياً كان نوعها سيسارع في ترك العنان لخياله ليحلم بامتلاك سيارة ما بغض النظر عن نوعها أو عمرها، فيسعد بحلمه ذاك ويتخيل نفسه مع عائلته، وقد وضع يده على مقود السيارة وهي تمشي الهوينى متبادلا الحديث مع والدته أو زوجته والسعادة تغمرهم جميعاً، ومن لا يملك منزلاً سيحلم بامتلاك منزل يضم أسرته وربما والديه وإخوانه الصغار، ولن يقفز أبداً في حلمه إلى اقتناء قصر إلا بعد أن ينال منزلاً يليق به، وهكذا تستمر أحلام اليقظة طلباً في المزيد لتضفي على المرء مزيداً من السعادة الوقتية. وكثير من الرجال ربما يحلمون بالتعدد متمنين غادة جميلة الهيئة، وضّاءة الوجه، نحيلة القد، متوسطة النهد، وافرة الردف، ناعمة الأطراف، معتدلة القوام، صغيرة الأقدام، سحماء، هدباء، وطفاء، كحلاء، مفتولة الساق، متسقة المساق، ويبحرون في حلم اليقظة هذا، فيسعدون بالخيال إذا ما كان الزواج من أخرى محالاً، لكنهم عندما يستيقظون من وهمهم، ويثوبون إلى رشدهم، سيجدون من ألفوها أجمل رونقاً وأعذب مشرباً، وأكمل عنصراً، وأصفى معشراً. لكنه حلم اليقظة الذي لا يخلو المرء من ممارسته، ففيه علاج نفسي، وتملك نرجسي، لشيء غير محسوس. أو أن يحلم بأنه يسير في روضة غناء، أشجارها مكتظة، وأغصانها متشابكة، يتخللها نهر كالسلسبيل، وينابيع تشفي الغليل، وبه الخضرة وارفة، والثمار يانعة.
ويمكن لأحدنا أن يحلم بأن يأتي اليوم الذي لا يعاني فيه من شح الماء، أو طفوه بعد استعماله، أو أن تقدم له الخدمات الطبية بكل يسر وسهولة، وألا يعاني عند مراجعته لإحدى الدوائر الحكومية.
ما ذكر من أحلام فيما سبق يمكنها أن تتحقق أو لا تتحقق، لكن هناك أحلام أخرى من العسير على المرء أن يرى تحقيقها رغم حلمه بها مثل دخول عالمنا العربي ميدان التقنية الحديثة ومنافسته العالم المتقدم في مجال الاختراع والانتاج والتصدير، ومن العسير عليه أن يرى حلمه يتحقق في مزاحمة العالم على صناعات ذات كفاءة عالية، أنشئت وأديرت بأيد عربية، ومن العسير عليه أن يرى العرب يصطفون في خطوط مستقيمة عند أخذهم التذاكر، أو ركوبهم الحافلة (الأتوبيس)، أو قيادتهم السيارة، كما أن من العسير عليه أن يرى - حتى وإن حلم - معظم المسلمين يطبقون في معاملاتهم ما أمرهم به دينهم، من إحقاق الحق، وتجاوز الواسطة، والعدل في المعاملة، وتغليب الحق على الهوى، وتطبيق ما أمر الله به ونهى في السلوك الشخصي، وأن يدرك المسلم أن العمل أمانة، وإتقانه واجب، والاخلاص فيه من أمر الله، ولو تحقق ذلك لما احتجنا إلى الحلم لأن المسلمين سيكونون قادة العالم في جميع مناحي الحياة الإنتاجية والأخلاقية. أما أحلام النوم فقد بذل العلماء على مر السنين جهوداً مضنية لمعرفة كنهها والاجتهاد في تفسيرها. وقد ربط علماء النفس بعض الأحلام ببعض الأمور التي يصعب تحقيقها في اليقظة، حين يملي العقل الباطن ما بجعبته على الدماغ، ليفرغ ذلك الحدث إلى حلم في المنام، كما أن من أكل قبل النوم ما لذ له وطاب من كبسة دسمة تعلوها لحوم تتدفق من فوقها أنهر الدهون، لابد له أن يقضي نوماً مليئاً بالأحلام المرعبة وربما السعيدة.
وما أثار حفيظتي لكتابة هذه المقالة هذا الكم الهائل من مدّعي تفسير أحلام المنام الذين زادوا البسطاء من الناس بساطة في تفكيرهم، وأسرفوا في مضاعفة أوهامهم وأخذوا يتسابقون بتفسير كل حلم، ويردون على كل من قال صادقاً كان أو كاذباً، فامتلأت القنوات بمفسري الأحلام مستغلين جهالة بعض الناس، وآمالهم في معرفة المستقبل، من خلال الاحلام وتفسيرها، بعد أن يأس المبصرون عن إتيانهم إياها غافلين عن التوكل على الله في السَّراء والضرّاء، وتطبيق أوامر الله في العبادات والمعاملات، والعمل الدؤوب الجاد والإيثار والمحبة والعفة والصدق في القول والعمل، وبه وحده يمكن بعد التوكل على الله أن يكون المستقبل أكثر إشراقاً والحياة أيسر معيشة. فلا يحتاج المرء معها إلى مفسر أحلام وأوهام.
لم يكتف هؤلاء بإغواء الناس بالقدرة على فك السحر والشفاء من العين، وإخراج الجن، حتى أضافوا إلى ذلك تفسير الأحلام، فزاد الوهم وهماً، فتجاوز البعض منهم الاعتماد على الله والعياذ بالله. لقد تابعت قبل ليلتين في إحدى القنوات أحد المفسرين الذي لم يتوقف عن تفسير كل ما يرد إليه من صدق أو كذب أو رؤيا صادقة أو أضغاث أحلام، وأذكر أن شخصاً ما اتصل بأحد مفسري الأحلام عبر القنوات، وذكر له حلماً وهمياً من نسيج خياله، فذكر له المفسر أنك فيما يوحي به الحلم امرأة حامل ستلدين أنثى، والتفت إلى صاحبي وتحسست بطنه فتأكدت أنه ليس بحامل والحمد لله، فقد زال الحمل بزوال الحلم، وبلغ المفسر مراده بتفسير ما يروق له وكفى، وبهذا نكتفي والسلام.