إن بلادنا الغالية التي تعتبر امتداداً للجزيرة العربية التي استقرت واعتزت وتوحدت بالإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم بعد أن كانت تعيش في نفق من الجهل والعنصرية والعزلة والظلم والفقر، حيث أصبحت بعد الإسلام منارة للإيمان والعلم والسلام والإنسانية، وظلت على ذلك لعدة.....
..... قرون بسبب المبادئ السامية التي كانت تطبقها والتي تحاول دول العالم المتحضرة في العصر الحاضر الوصول إلى ما يقارب ما وصل إليه الإسلام العظيم في تطبيق تلك المبادئ ومنها:
* المساواة.. فالإسلام باعتباره ديناً شمولياً ليس موجهاً للعرب فقط بل للبشرية جميعاً (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، ولذلك فإن المساواة تحتل ركناً مهماً في الإسلام، فالناس أو المواطنون في الإسلام في مستوى واحد لا يفرق بينهم إلا العمل والتقوى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، والتقوى لا تقتصر على الصلاة أو الصيام أو الحج أو أداء الزكاة مع أهمية هذه العبادات فقط، بل تشمل أيضاً تعامل الإنسان مع أسرته ومجتمعه وعمله وحكومته بالإيمان والصدق والإخلاص والمودة، كما ورد في هذا الإطار قول الرسول صلى الله عليه وسلم (الناس سواسية كأسنان المشط).
ومن تطبيقات ذلك في الإسلام أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو العربي القرشي وبين بلال بن رباح وهو العبد الحبشي الذي أعزه الله بالإسلام، ولم يفرق بين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي فرق الله به بين الحق والباطل، والذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: (لو كان بعدي نبي لكان عمر)، وبين سلمان الفارسي الصحابي الجليل صاحب القومية الفارسية والذي قال فيه النبي عليه السلام (سلمان منا أهل البيت)، ولم يفرق بين ابن عم الرسول عليه الصلاة والسلام وزوج ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها ورابع الخلفاء الراشدين وهو علي بن ابي طالب رضي الله عنه وبين صهيب الرومي الذي لم يمنعه انتسابه لقومية غير عربية من أن يكون أحد الصحابة الكرام.
فالإسلام إذاً نهج مبدأ المساواة بين الناس وقضى على نظام الأجناس والطبقات والطوائف، فالإسلام كما يقول المفكر الإسلامي سيد قطب يرحمه الله (جاء ليقرر وحدة الجنس البشري في المنشأ أو المصير وفي المحيا والممات وفي الحقوق والواجبات لأفضل إلا للعمل الصالح ولا كرامة إلا للاتقى، وكان تقرير الإسلام هذا وثبة للإنسانية لم يعرف التاريخ لها نظيراً ولا تزال قمة لم يرتفع إليها البشر أبداً)، والإسلام في هذا التوجه إنما يستند إلى أن مصدر البشرية واحد كما ورد في القول الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلكم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى)، ونورد في هذا السياق أيضاً أن أبا ذر الغفاري رضي الله عنه تخاصم يوماً مع أحد العبيد في حضور الرسول صلى الله عليه وسلم فاحتد أبو ذر على العبد قائلاً: (يا ابن السوداء) فغضب النبي عليه الصلاة والسلام وقال (طف الصاع ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى أو بعمل صالح).
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يولي بلال بن أبي رباح رضي الله عنه على المدينة المنورة في حالة خروجه منها مع وجود كبار الصحابة والمهاجرين فيها، كما ولى (باذان الفارسي) على اليمن ولما توفي ولى ابنه مكانه.
والإسلام بهذا النهج إنما يكرم الجنس البشري لأن الله عز وجل كرم الإنسان بغض النظر عن قوميته أو لونه أو لغته: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً).
* العدالة: وتعني إقامة العدل بين أفراد المجتمع في الحقوق والواجبات: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) والعدل يتعلق بالأفراد وهو إعطاء كل ذي حق حقه، ويتعلق بالمجتمع عن طريق الأنظمة التي تسهل لكل فرد أن يصل إلى حقه ولا ينبغي أن يؤدي الاختلاف أو الخصومات إلى ترك العدل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).
ويعتبر العدل من أسس الحكم ودعامته القوية، ومن قول أبي بكر رضي الله عنه في ذلك (الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه).
والعدل ذو سمة كاملة ومطلقة حتى مع الأعداء ومع الذميين والمعاهدين، ففي السنة الشريفة (من آذى ذمياً فأنا خصمه ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة).
* الحرية.. فهي فطرة إلهية وهي مما يميز الإنسان عن سائر الكائنات، وقد جاء الإسلام ليضمن الحرية للإنسان، كالحرية في المعتقد، وحرية التملك وحرية التصرف، وحرية السفر، وحرية المشاركة بالرأي الذي يخدم مصلحة الأمة.
فالإسلام لم يكره أحداً من أصحاب الديانات السابقة على ترك دينه (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) وقد عاش اليهود والنصارى تحت الحكم الإسلامي قروناً عديدة لم يجدوا خلالها إلا الرعاية والتقدير، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام يحثون على المشاركة بالرأي الذي يخدم مصلحة المجتمع والأمة فقد روي أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان وهو يخطب ينهي عن الغلو في المهور فردت عليه امرأة كانت تسمع الخطبة بقول الله عز وجل: (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) فما كان من الخليفة عمر إلا أن أطلق مقولته المشهورة: (أصابت امرأة وأخطأ عمر).
إذاً فإن ما تقدم يتعلق ببعض المبادئ الإنسانية السامية التي جاء بها الدين الحنيف وظل المسلمون يطبقونها قروناً عديدة وكانوا خلالها مناراً وعلماً تهتدي به البشرية إلى أن حدث الخلاف والانقسام ومحبة الذات بين المسلمين فرجعت الجزيرة العربية إلى سابق عهدها قبل الإسلام من الشركيات والخرافات والنزاعات والانقسام والعصبية المنتنة إلى أن قيض الله لهذه الجزيرة (قيام الدولة السعودية) ابتداءً من الإمام محمد بن سعود يرحمه الله إلى الملك عبدالعزيز يرحمه الله، الذي قام بدور كبير في لمّ شمل الأمة ووحدتها في الجزيرة العربية إلى أن أصبحت دولة ذات ثقل سياسي وديني في الوقت الحاضر، وكانت المبادئ التي أوردها الإسلام (سالفة الذكر)، بالإضافة إلى تحكيم الشريعة هي التي استند إليها الملك عبدالعزيز في تأسيس بلادنا وقد سار الملوك من أبناء الملك عبدالعزيز بعده على نفس المنهج، وجميعنا يتذكر خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي ألقاه بعد توليه مقاليد الحكم في بلادنا عندما عاهد فيه الله بأن يكون القرآن الكريم منهج حكمه ومطالبته المواطنين بأن يقفوا معه ويشدوا من أزره، وإعلانه بأن المواطنين لديه سواسية لا يفضل أحدهم الآخر إلا بعمله، فالخطاب الملكي جمع بين المبادئ الإسلامية التي سبقت الإشارة إليها وهي المساواة، والعدالة، والمشاركة بالرأي.
فبالنسبة لتطبيق المساواة بين المواطنين فإن الأنظمة والتعليمات واضحة في هذا الصدد بأن الدولة لا تفرق بين مواطن وآخر أو بين بين منطقة وأخرى، كما أن هذه الأنظمة واللوائح التي صدرت في مجالات عديدة مما يهم أو يتعلق بحياة المواطنين قد وضعت على أن تكون قواعدها ونصوصها تتصف بالعموم والتجرد مما يعني تبنيها لمبدأ المساواة بين الناس.
وأما عن مبدأ العدالة فإن بلادنا قد حرصت أيضاً على تطبيق هذا المبدأ فقد أنشأت وزارة خاصة بالعدل، كما أنشأت محكمة عليا في مجال القضاء العام والعديد من المحاكم العامة والجزئية.. وفي مجال القضاء الإداري تم إنشاء ديوان المظالم الذي تتبعه المحكمة العليا والعديد من المحاكم والدوائر القضائية، كما أنشأت الدولة وزارة العمل، ومهمة هذه الوزارة الإشراف على حقوق وواجبات العاملين في القطاع الخاص والذين يقدر عددهم بالملايين.
وأما عن المشاركة بالرأي فقد أنشأت الدولة مجلس الشورى الذي يضم نخبة من أبناء الوطن من ذوي الاختصاص العلمي والاجتماعي، والكثير من إدارات المستشارين في الأجهزة الحكومية، كما تطالب المواطنين برفع ما لديهم من آراء وأفكار تتعلق بخدمة الوطن، كما أنشأت مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني لمناقشة القضايا التي تهم الوطن والمواطن.
ومما تقدم يتبين لنا بأن ديننا الحنيف حريص على وحدة المجتمع وفق أسس المساواة والعدالة والإنسانية والحرية وأنه لا فرق بين مسلم أو مواطن وآخر إلا بعلمه وتقواه، وعلى هذا النهج سارت بلادنا عندما جعلت ذلك هدفاً أساسياً وأن تكون الوحدة الوطنية وفق تلك الأسس وهو ما يتطلب من كل مواطن أن يستشعر بأن بلادنا تأسست وتوحدت على أساس مبادئ الإسلام السامية التي تحث على المساواة والعدالة والمشاركة والتي لا تفرق بين مواطن وآخر إلا بقدر ما يعطي وينتج لوطنه.
وبالتالي فإن المطلوب منا جميعاً تجاه بلادنا ودعم وحدتها ما يلي:
* الالتزام بنهج الوسطية في الدين والبعد عن التطرف والغلو والتمسك بسماحة الإسلام، فالنبي الكريم يقول في هذا الصدد (بعثت بالحنيفية السمحة) كما يقول: (إن الدين يسر ما شاد الدين أحد إلا غلبه).
* قصر مقومات الولاء للدين الحنيف ثم للوطن الغالي وقيادته الحكيمة.
* بذل المزيد من الجهد والإخلاص في العمل الموكول لكل مواطن فتضافر الجهود يؤدي إلى استمرارية التطور والتقدم باعتبار أن كلاً منا يقف على ثغرة من ثغور الوطن.
* الحرص على تربية النشء وفقاً لمبدأ سماحة الدين ووسطيته وحب الوطن والاخلاص له ولقيادته.
* التعاون مع أجهزة الدولة وبالذات أجهزة الأمن في سبيل قيامها بأداء مهامها وأهدافها وبالتالي تحقيق سلامة الوطن والمواطن.
* استشعار أهمية الجنسية الوطنية وأنها تعتبر بعد الإسلام أهم رابط يجمع المواطنين.
* نبذ التنابز بالألقاب أو إثارة النعرات التي تتعارض مع ديننا وتضر بوحدتنا.
* عدم التعاون مع أعداء بلادنا ومع أي طرف يسيء لوحدتنا.
* أن تسود روح المودة والإخاء والتعاون بين المواطنين لما فيه خير دينهم ووطنهم.
* يقظة المواطن حيال الدعايات المغرضة والأهداف السيئة تجاه بلادنا.
asunaidi@mcs.gov.sa