حمود العديم شاب سعودي حائلي المولد والمنشأ والوجه واللسان، حباه الله عقلاً نيرًا، وفكرًا سليمًا، وصوتاً جميلاً، وحسًا اجتماعيًا مرهفاً، ومواهب أدبية متعددة، فسخر كل تلك المواهب لخدمة مجتمعه من خلال ممارسة النقد الاجتماعي البناء عبر مقاطع شعرية ونثرية في ظاهرها الفكاهة والطرافة، وفي مضمونها الجد والصدق في نقد السلبيات الاجتماعية الخاطئة، وتعرية السلوكيات المخجلة التي يعاني منها المجتمع السعودي..
ومع كثرة الموهوبين في بلادنا الذين أبدعوا واجتهدوا في خدمة وطنهم، إلا أن حمود العديم يظل ظاهرة فريدة لما يتميز به من مواهب متعددة، وما ينفرد به من نهج ديني وأخلاقي واضح المعالم نبيل المقاصد..إنه شاعر، ومنشد، ومهندس صوت، ورسام، وكاتب، ومصور محترف، وكذلك مخرج تلفزيوني ومسرحي.. عرفه الجمهور أكثر من خلال أعماله المسموعة (سلسة أبو ملوح)، كما كان له مشاركات جميلة في قناة المجد الفضائية والقنوات الأخرى.. يتمثل نجاحه في أنه يجذب المستمع في طريقة فكاهية جميلة حتى يضعه على سلبية معينة، من خلال توجيه رسالة أراد بذكاء توصيلها للمستمع.. كون فرقة مسرحية وإنشادية طافت جميع مناطق المملكة والخليج في عروض مسرحية مميزة.. أحب الناس فبادلوه الحب.. اتسم بالبساطة وعدم التكلف والطرفة حتى في حياته العادية..
ومما يحسب للمبدع حمود العديم استقطابه لمجموعة من الشباب النابهين وإعطائهم الفرصة لصقل مواهبهم الإنشادية والتمثيلية وتوظيفها توظيفاً إيجابيًا من خلال تكوين فريق عمل مبدع، وتوجيه تلك الطاقات لتوعية المجتمع ونقد السلبيات بهدف الإصلاح والتقويم.
ومما يثير الإعجاب أيضاً أن أسلوب أبو ملوح يتميز ضمن ما يتميز من إبداعات كثيرة قدرته على تناول أكبر عدد ممكن من المشاكل الاجتماعية في حلقة واحدة أو في شريط واحد، الربط بينها بانسيابية ومهارة دون أن يشعر المتابع له بالملل، ومن غير أن يؤدي ذلك إلى تشتت الذهن، وتشعب الموضوع.. ومما يتميز به أيضاً قدرته على جعل القصص أو المشاهد المعروضة تستمر من شريط إلى آخر بطريقة فريدة دون أن يمل القارئ من تكرر أبطال القصة وأطرافها..
وفي آخر شريط استمعت إليه واستمتعت به، وهو (أبو ملوح 5) أحصيت أكثر من 15 مشكلة اجتماعية تناولها بذكاء وبراعة، ونقدها نقدًا لاذعًا ومعبرًا بأسلوب فكاهي لكنه في الواقع يهز مشاعر كل صاحب ضمير حي، ويحرج كل مسئول يحمل هم هذا الوطن ومواطنيه..
فقد استطاع بمهارة فائقة أن يتناول زواج المسيار، والبطالة، وأسعار المواشي، والغش في سوق الأغنام، وتعقيد إجراءات أراضي المنح، وتأخر القرض العقاري، وخطر الألعاب النارية، والحث على الصلاة، وعمليات النصب التي يتعرض لها المواطنون من خلال المساهمات أو الأسهم، أو ما يسمى قضية بطاقات سوا ومكاين الخياطة، واحتيال مكاتب الاستقدام، والمتاجرة بالتأشيرات، والسفر إلى الخارج، وإضاعة الوقت في شرب القهوة وسماع الأشعار، والفراغ الذي يقضيه أكثر الأبناء الخريجين بالنوم نهاراً والسهر في الاستراحات أو الدوران في الشوارع ليلاً.. إلخ.
وإضافة إلى إتقان تقمص الشخصيات، والقيام بالأدوار على أمكن وجه فإنه يبهرك بجودة الإخراج الذي يجعلك وأنت تستمع إلى المواقف بأذنيك تتفاعل معها وكأنك تراها بعينيك بسبب المهنية العالية في ضبط الأصوات والمؤثرات الداخلة في المشهد التمثيلي كأصوات السيارات أو حركة الأجسام، وفق ما يتطلبه المشهد التمثيلي المتقن.
لا أقول في النهاية إلا أكثر الله من أمثال حمود العديم ورفاقه، ووفقهم لما يصبون إليه، ونفع بمواهبهم، وبارك في جهودهم..