هذه رسالة إلى كل أب وأم يعلم كل منهما عظم المسؤولية الملقاة على عاتقهما تجاه الأولاد انطلاقاً من قول الرسول صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) والله سائل يوم القيامة كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع.
من ينظر إلى واقع أبنائنا وبناتنا في هذا العصر يدرك أن هناك فراغاً ترك فجوة كبرى في حياتهم الأسرية والمدرسية والأدلة على هذا كثيرة بشهادة مشرفي المدارس المتوسطة والثانوية وكذلك معلمي حلقات القرآن الكريم في المساجد.
وقد لا تصدق حين يقول لك معلم المدرسة أو مدرس الحلقة أن والد هذا الطالب لم يسأل عنه طيلة أربع سنوات وآخر عهده به وقت التسجيل ثم ترك الحبل على الغارب وانشغل بدنياه تاركاً هذه المسؤولية الكبرى خلف ظهره وكأن هذا الطالب نشأ يتيماً نعم هو والحالة هذه كاليتيم، بل ربما اليتيم أحسن حالاً منه لأنه فقد أباه حقيقة فالناس تعطف عليه وترعى شؤونه.
أما ذاك الطالب الذي نشأ في ظل غيبة أبويه وبعدهم عنه فإنه يعاني فقد الأبوة وحنان الأمومة فلم يجد من يأخذ بيده ويرشده إلى الطريق السليم، ويحميه من الآفات والشرور التي تنتابه من كل جانب حيث لم تكن لديه القدرة بعد على حماية نفسه فسرعان ما ينحرف ويسوء خلقه ويكون عالة على مجتمعه وقبل ذلك على أسرته.
فيا ترى من المسؤول الأول عن هذا الشاب الذي ترك للشبهات والشهوات بعد أن تخلى عنه أعز الناس لديه وهو أبوه الذي يريد منه أن يبني مستقبله وهو بعيد عنه لا يسأل عن حاله ولا عن سلوكه وأخلاقه ولا عن مستواه العلمي ودوره في مدرسته وبين زملائه ونحن إذ نسمع ونرى بعض السلوكيات الخاطئة من بعض الطلاب نكاد نجزم بأن هذا أثر سلبي سببه غيبة الأبوين عن مسرح التربية والتوجيه فمن منا اليوم يسأل عن ابنه في المدرسة في كل شهر مرة على الأقل من منا سأل مدرس حلقات القرآن الكريم عن مستوى ابنه في التلاوة والحفظ وعن سلوكه وأخلاقه.
كل القطاعات التربوية تعاني من غيبة الأبوين عن مسرح التربية والتوجيه ومن المعلوم أن العملية التربوية عملية مشتركة بين البيت والمدرسة وكلما تضافرت الجهود بين الجهات المعنية ترى أثر ذلك ينعكس إيجابياً على الأبناء.
ومن المؤسف أن بعض الآباء لا يعرف مستوى ابنه الدراسي ولا السنة التي يدرس فيها. وهذا مؤذن بخطر عظيم حين يغاب الجانب الأسري فهل من رجعة صادقة إلى متابعة أبنائنا وبناتنا في المدارس والمعاهد والجامعات وفي حلقات القرآن الكريم ودور الرعاية ومراكز التدريب؟ فهذا جزء من مسؤوليتنا فمن جد وجد ومن زرع حصد.
- المعهد العالي للقضاء