الجزيرة - محمد بدير
على الرغم من التحفظ المبدئي الذي ذكره تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية عام 2008 حول التراجع الإجمالي العالمي للاستثمارات المباشرة، إلا أنه توقع تراجعاً مبدئياً تصل نسبته إلى 30% خلال العام 2009، مشيراً إلى صعوبة التنبؤ بإجابة دقيقة للسؤال الذي يلح على العديد من الدول والمؤسسات المالية والاستثمارية والأفراد حول العالم، الذي يدور حول درجة التراجع المتوقعة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر عالمياً على إثر الأزمة المالية؟ خاصة أن هذه التوقعات السلبية تضيف صعوبة إضافية للصعوبات الاقتصادية الحالية وذلك نظراً لأهمية هذه النوعية من الاستثمارات لتحقيق نمو متوسط وطويل المدى للاقتصاد العالمي، في ظل ندرة الائتمان المصرفي التي ساعدت على تسريع وتيرة تباطؤ أنشطة الاستثمارات المباشرة، بل ربما تكون سبباً مباشراً في زيادة عمق هذا التباطؤ والركود.
ويشير التقرير الصادر حديثاً عن (المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات) إلى أن درجة الركود في تحركات الاستثمارات المباشرة تتوقف على العديد من العوامل، منها: مدى نجاح الدول الآسيوية وعلى رأسها الصين في الحفاظ على معدلات نمو اقتصادي مقبولة، ومدى إمكانية نجاح الشركات الآسيوية في التغلب على الآثار السلبية للأزمة الراهنة ومن ثم زيادة قدرتها على الاستثمار في الدول الأخرى، فعلى سبيل المثال التدفقات الصادرة من الصين خلال العام السابق والتي بلغت 23 مليار دولار قفزت إلى 26 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2008، مع إمكانية بلوغها نحو 50ـ60 مليار دولار هذا العام. إضافة إلى استمرار الاتجاه الصعودي لاستثمارات صناديق الثروة السيادية على الرغم من استثماراتها غير المجدية وخاصة في المؤسسات المالية حول العالم، ومدى إمكانية استمرار حدوث تراجع في قيمة الأصول المالية لدى الدول المتقدمة كنتيجة لارتفاع قيمة عملات دول إقامة المستثمر وتراجع قيمة عملات الدول المضيفة للاستثمار، مما يدفع المستثمر إلى تأجيل قراره الاستثماري في الخارج إلى ما بعد انخفاض أسعار الأسهم إلى أدني مستوياتها محلياً.
أما على نطاق الدول العربية فيتوقع التقرير كذلك تراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد إلى مجموعة الدول العربية خلال عام 2009، ويعزي ذلك إلى العديد من العوامل، منها: تباطؤ النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة وتحقيقه معدلات نمو سالبة، واحتمال تواصل اضطراب الأسواق المالية الدولية والعربية بما يسهم في أجواء عدم التيقن التي تحيط بقرارات الاستثمار متوسط وطويل الأجل والذي يؤدي إلى إرجاء المزيد من المشاريع بالمنطقة العربية خاصة في مجال البنية الأساسية والنفط والقطاع العقاري، وتراجع حصيلة الصادرات بالدول العربية النفطية بما قد يؤثر على التدفقات الاستثمارية العربية البينية كأحد مكونات إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد إلى المنطقة، وتراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي الموجه إلى قطاع الموارد الطبيعية في الدول العربية النفطية، خاصة في قطاعات النفط والغاز والتعدين بما قد يؤدي إلى تراجع المشاريع الاستثمارية وخاصة المشاريع التي كان من المخطط تنفيذها بغرض زيادة الإنتاج النفطي وتم تأجيلها نتيجة انخفاض الطلب العالمي على النفط وتراجع أسعاره العالمية.
وعلى جانب آخر يرى التقرير أن مثل هذه التوقعات حول الركود الحالي تمثل حافزاً على بذل الجهود للاستمرار في انتهاج السياسات التحررية والمحافظة على جاذبية المناخ الاستثماري بهدف الاستحواذ على الحصة الأكبر من الاستثمارات المتاحة، خاصة أن التجارب الدولية والدراسات الحديثة أكدت على أن معظم الدول التي تمتعت بمعدلات نمو اقتصادي متسارعة اعتمدت في نموذج نموها الاقتصادي على الاستثمارات الأجنبية المباشرة بدرجة كبيرة مثل الصين والهند وماليزيا وسنغافورة وتايلاند.