Al Jazirah NewsPaper Saturday  01/08/2009 G Issue 13456
السبت 10 شعبان 1430   العدد  13456
الملل في الحياة الزوجية
عبد الله بن محمد السعوي

 

أحياناً الرابطة الزوجية تتعرّض للانفصال ولا يكتب لها الاستمرارية بفعل سيطرة الملل على طرفيها, ذلك الملل يتكرر وفي مختلف البيوت، حيث مع مرور الزمن تخبو شحنة العواطف المتأججة والشديدة التوهج فيتراجع الإيقاع المشاعري وتسري البرودة الانفعالية بين الزوجين،

ويحصل لديهما نوع من التشبع يعصف بالبعد الحميمي، وتصبح العلاقة معزوفة مملة لكلا الطرفين تغيب جرّاءها حرارة المشاعر، فلا تعد مرفرفة كما كانت مما ينحرف بالحياة الزوجية عن مسارها الدافئ إلى صقيع الرتابة فيكسوها الصدأ وتغلفها سحابات الصمت، وهذا الملل مع شيوعه إلاّ أنه أمر طبيعي وخصوصاً إذا كان مجرد حالة عابرة، فالحياة الزوجية ليست سلسلة متصلة من بث آيات الهيام وتجليات الوجد وتبادل المشاعر الدافئة، وإنما هي لحظات ازدواجية فيها الحلو, والمر, والسعادة الزوجية مفهوم نسبي لا يسهل قياسه ولا تعميمه, والعاطفة المشبوبة المتقدة ليست أبدية وجذوتها ليست ملتهبة بشكل متواصل، بل قد تعتريها عوامل التعرية التي لا يتصدى لها إلا عنصري المودة والرحمة المتجذّرة في أنحاء الوجدان.

العلاقة الزوجية أحياناً كما الإنسان، فهي تدلف في دورة طبيعية تولد ثم تنمو وتترعرع وتدرج في مدارج الحياة، ويبلغ بها السن مبلغه، فتدب في أوصالها أعراض الشيخوخة ثم تفارق الحياة؛ تلك العلاقة شبيهة إلى حد كبير بالنباتات، فهي إذا لم تلق العناية الكافية والمناخ الملائم سرعان ما تذبل وتموت. ولذا فلابد لتجاوز الركود ولكسر حدة ذلك الفتور ولتحسين الحالة المزاجية، ومن ثم العودة بمشاعر أكثر صفاء وبعطاء متجدد.

أن ننتزع أنفسنا من أسر الروتين ومن دوامة الحياة ووتيرتها المتكررة ومن العكوف على نمط روتيني مقولب, أحياناً التغيير ومفارقة المناخات الروتينية يفجّر ينبوعاً من المشاعر الوجدانية الصادقة, والجنوح نحو التسلية يقي من صقيع الفتور, وإضاءة الشموع ينبثق عنها إحساس حميمي متدفق بماء الحياة, ولكن الإشكالية أننا نحن الشرقيين لا نتقن فن الترفيه والتجديد والتغيير أو قضاء الإجازة بعيداً عن ضغوطات الحياة اليومية المعتادة. إنه لابد لاستعادة الود المفقود أن نضفي على الحياة تغييراً يكسر جمود العلاقات الإنسانية ويفني ملامح الكآبة. الملل ليس صناعة أنثوية كما يعتقد معظم الرجال, بل حتى المرأة يتسرب إليها الملل وتتوق إلى التغيير في نمط حياتها، بل ترى أنّ الرجل هو المسؤول الأول عن الكآبة المقلقة التي تتسرب إليها, والحقيقة أنهما شريكان وعلى عاتقهما تقع مسؤولية التجديد والتغيير.

فالزوجة إذا أرادت أن تجعل زوجها يرى فيها دنياه السعيدة، مطالبة بخلق جو متجدد دائماً في الأسرة وملء بنك العلاقة باللحظات الحميمية المعطاءة، وذلك بوضع لمسات جمالية جديدة في المنزل وإعادة ترتيب أثاثها على نحو أكثر جاذبية، وأن تجدد في مظهرها وطريقة حديثها فتطرق مواضيع متجددة للحديث، فالمواضيع ليست محصورة في شؤون الأبناء والأسرة، وليست أيضاً مشروطة بالحديث عن مشكلات شعوب العالم النامي أو عن القضايا الفكرية والفلسفية المعاصرة، وإنما تلاحظ الأشياء التي يوليها الزوج عنايته فتبادله الحديث بشأنها، سواء كانت تلك الميول أدبية أو تجارية أو رياضية أو غيرها. لابد أن تعرف طبيعة زوجها لكي تحدد نوعية معاملته، فإن كان ذا طبع حاد وتثور حفيظته لأدنى سبب، فإنها تتلافى الدخول معه في مواجهات مباشرة، وخصوصاً في حال تضاعف انفعاله، فتنأى عنه وتتريث ريثما يستعيد هدوءه، ويكون في أفضل حالاته المزاجية, وإذا أرادت طلباً منه فإنها تقرأ جيداً تقاسيم وجهه، فإن شعرت بأن ثمة أمراً مّا يؤرقه، أجّلت طلبها لوقت آخر تكون فيه الفرصة مواتية والجو خال من المشاحنات والتوترات العصبية. وإن كان زوجها ذكياً ويملك قدراً من المعلومات في مجال ما, بل حتى ولو كان زوجها يتعالم ويدّعي أنه على دراية بكل شيء وأنه يعلم خفايا الأمور ابتداءً من عمل المطبخ حتى مستقبل محادثات السلام في الشرق الأوسط، فإنّ أقصر الطرق إلى قلبه يمر من خلال إرضاء غروره، فالزوجة بإمكانها أن تملكه إذا قامت بدور التلميذة التي تتقن الإصغاء لأستاذها الملهم، وتؤمّن على كل عبارة تغادر فمه، فتمطره بوابل من الأسئلة غير المحرجة وتدفعه لاستعراض عقله ومعلوماته أمامها، ولا يغيب عن ذهنها أن تكثف من إطرائه وأنها تحسد عليه من قِبل صديقاتها، فهي بهذا تنال محبته، وهو حينئذ سيشعر بنشوة بالغة. وإن كان زوجها قد نشأ مدللاً يريد أن يكون هو محور الاهتمام وأن تلبى مطالبه فوراً، وأن تكون زوجته مثل أمه ونموذجاً مكرراً لها، فإنها تغدق عليه من الحنان الذي يشعره بالأمان، ولا ضير أن تتيح له المجال من وقت إلى آخر بممارسة عبث الطفولة البريء، وأن تغض الطرف عن شيء من سلوكياته الخارجة على إطار المقبول، وتحاول تقويمها بأسلوب ينطوي على الكثير من التلطف. أما إن كان زوجها ممن يعشق المظاهر ويتفانى في سبيل الظفر بكل ما هو فخم وعالي الثمن من الأشياء ليتباهى به، فإنها تصرف جزءاً كبيراً من وقتها للعناية بأناقتها فتطل عليه من حين لآخر بملابس أخّاذة وتضفي على بيتها أبعاداً جمالية من خلال تكثيف الألوان الجذابة والأثاث الموشح بالورود, ولا تكف عن إبداء إعجابها بروعة ذوقه وحسن هندامه لتحوز على رضاه. الزوج هو الآخر مطالب بالتغيير وأن يكتشف مفاتيح شخصية زوجته والباعث المحرك لممارساتها بغية العمل على اقتحام مغاليقها ومعرفة المعاملة الملائمة لأمثالها؛ إنّ عليه أن ينوع في نشاطاته فأحياناً يفاجئها بهدية حتى ولو كانت رمزية بسيطة أو يدعوها إلى الجلوس على مأدبة عائلية خارج المنزل، أو القيام بأنشطة وهوايات مشتركة وممارسة الرياضة معاً, أو ينسق معها لسفر يستمتعان في ظل أجوائه؛ إنّ عليه أن يتعاهد شريكة حياته بالكلمة الرقيقة والابتسامة النقية واللمسة الحانية والنظرة المعبّرة والمحققة للإشباع العاطفي. إنّ الملل يقتضي أحياناً أن نبتعد عن بعضنا مدة يسيرة من الوقت, من الضروري ألا نلتصق بشريك حياتنا ونحاصره ونقيد حراكه وعلى نحو مستمر، فهذا من شأنه أن يورث نوعاً من الملل الذي يقضي على الشوق الداخلي لدى هذا الشريك. إنّ ملاحقته والتداعي المتواصل عليه وملازمته كظله تقلل من فرص اشتعال جذوة الحب لديه؛ لا تفرض نفسك على شريك حياتك ولا تضيق الخناق عليه، بل دع له هامشاً من الحرية وأتح له الفرصة ليفتقدك ومن ثم يبدأ بالبحث عنك، ومن ثم الإقبال عليك, التمنع يلهب مشاعر الحب لكن الإفراط في ذلك يئده, ولذا فعليك أن تتسم بنوع من الغموض النسبي لتحقق قدراً من المغناطيسية الجذابة, وفي بعض الحالات الزوجية قد تضطر أحياناً لأن تقلل من تدفقك العاطفي على شريكك وألاّ تشعره بأنه محور حياتك أو أنه الإنسان الوحيد الذي يمكنه إسعادك أو إشعارك بالتعاسة أو أنك لا شيء بدونه. التوازن في الاقتراب والابتعاد وعدم المبالغة في التدفق ضرورة تقدر بقدرها؛ لابد للقضاء على الملل من التغيير والتجديد في أنماط الحياة أو في بعض الآراء والعادات مع مضاعفة الاحتفاء بالجانب الترفيهي لزرع البهجة الحياتية. والانفتاح على الحياة بحب ومرح وانطلاق, والعمل على إشاعة الحس الفكاهي وإعلاء مستوى روح الدعابة واستصحاب البشاشة، لتشكيل وضعية أرقى وعلاقة رومانسية تتمنع على عوامل التقويض.



Abdalla_2015@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد