Al Jazirah NewsPaper Thursday  30/07/2009 G Issue 13454
الخميس 08 شعبان 1430   العدد  13454
خَضُّ المَخِيضِ في خدمة العملاء
سعد العواد

 

فضلني إلى مقعد وثير في مكتبه الأنيق.. جلس على رأس الطاولة.. قال لي بحماسة شابها مسحة من اعتذار: برسل كم إيميل بسرعة، ثواني وأكون معك. قلت له: أفا عليك، خذ راحتك..أنهى مراسلاته الإلكترونية..استدار بكرسيه ليواجهني..فرك راحتيه بحماسة وحيوية، وبدأنا النقاش في بعض أمور العمل...

الكورس والسنغافوري

بعد النقاش، تراجع بكرسيه إلى الوراء - وكأنه يحاول الاستغراق في فكرة تشغل باله - لم يستطع كتمان الأمر، قال لي: قبل أسبوعين خذيت كورس في أسس خدمة العملاء)، قلت في محاولة لاستحثاثة على المتابعة: ما شاء الله!)، قال لي: المدرب في الكورس اتصل بشخص من سنغافوره (كان مرتب معه مسبقاً وحطه علىالسبيكر)، وقال لنا المدرب: افترضوا انكم من شركة (س) تبي تعرض خدماتها على شركة (ص) وأن شركة (ص) وجهت لكم دعوة للسفر إلى سنغافوره علشان تعرضوا عليها خدماتكم..و افترضوا إن ممثل الشركة (ص) هو اللي معنا على الخط هالحين وانه متصل عليكم لتنسيق أمور الزيارة والصفقه، فإيش راح تقولوا له؟.. وطلب المدرب من كل واحد منا انه يتكلم مع السنغافوري).

ماذا قال السعوديون للسنغافوري؟

توقف المدير عن السرد لحظة؛ ثم نظر مباشرة في عينيّ، وجذب كرسيه للأمام في حركة مباغتة تدل على اهتمام بالغ، وقال: ما راح تصدق ايش نوع الأسئلة اللي سألها المشاركين في الكورس للسنغافوري!!( قلت له في لهفة: وش سألوه؟( قال اللي سأله كم نجمه الفندق اللي يبي يبات فيه! واللي سأله مين اللي يبي يستقبله في المطار! واللي تذمر من أن الفندق مهو قريب من الأماكن السياحية في المدينة! واللي ماعجبه أن الوجبات مهي مجانية خلال الزيارة! واللي أصرعلى توفير سيارة بسواق! واللي...و اللي... ولا واحد تكلم عن البزنس، أو تطلعات العميل السنغافوري، أو احتياجات الشركة (ص)). كانت القصة التي حدثني بها المدير فريدة ومفيدة، فهي تكشف بجلاء كيف تعامل الشباب السعودي بصلف مع العميل السنغافوري وكأنه هو خادمهم، وترفعوا عليه وكأنهم هُم الممتنين عليه بالصفقة، وكيف انتفت عندهم أبجديات خدمة العملاء( وأساسيات احترام الزبون).

الفَكَهَانِي والهندي

بعد عدة أيام على قصة السنغافوري والكورس، ذهبت للتسوق في أحد السوبر ماركتات المشهورة.. وصلت إلى ميزان الخضار والفواكه.. كان قدامي زبون - من الجنسية الهندية -.. وقفت أنتظر الدور..ناول الهندي عامل الميزان - السعودي - كيساً من الفاكهة.. أخذه العامل بتأفف، وألقاه على الميزان بامتعاض.. قلّب العامل صفحات قائمة الأسعار التي أمامه بحثا عن سعر الفاكهة.. لم يجد السعر فتأففبِ َفَافِفَ طويلة، ثم التفت إلى الزبون الهندي وقال له: شوف روح هناك (عند رف الفاكهة) وشوف كم سعر وتعال كلام أنا !!!.. أصبت بدهشة عارمة من هذا التصرف المستحيل حلّهُ في (ح). لقد بدا واضحا أن عامل الميزان السعودي لم يستوعب بأي شكل من الأشكال أنه الآن يقف في مقام الخادم للعملاء، وأن من واجبه أن يجعل عملية الشراء سهلة وميسرة للعملاء، وأنه لا يوجد فرق في كون هؤلاء العملاء هنوداً أو فينيقيين أو مدغشقريين - ما داموا قد اختاروا هذا السوبر ماركت، ورغبوا بدفع ثمن السلعة المعروضة، فمن حقهم أن تقدم لهم الخدمة؛ لا أن يقوم عامل الميزان بتشغيلهم عنده روح شوف سعر كم!!!

خَضّ القِربَه!

مفهوم خدمة العملاء عندنا بحاجة إلى خَضّ أشد من (خض البدوية للمخيض) على صعيد التثقيف، والتدريب، وحتى العقوبة - من صاحب العمل إن لزم الأمر- فاعتمادنا على البترول وما ولده ذلك عندنا من التعالي، وروح أنا (أنخدم ما أخدم).. لن يدوم للأبد.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد