(إن العلوم والحضارة والآداب مدينة بازدهارها وانتشارها للعرب وحدهم طوال ستة قرون)
|
|
كلما تعمق القارئ العربي والمنصف في قصائد ديوان شعر معالي الدكتور عبدالعزيز محيي الدين خوجة وزير الإعلام سواء في المادة والعقل وفي وصف الخلق والكون يجدها قصائد شفافة مليئة بالعاطفة الوجدانية وأنه يمثل شاعر الأجيال الصاعدة باعتباره قد خاض تربيته وعلومه العالية إلى جانب ثقافته الأدبية النقية ضمن مبدأ جوهري دون تردد ألا وهو الإيمان بالعقيدة السماوية الإسلامية، وهي من الصفات المتميزة التي تجلى بها شاعرنا العربي.
|
إن الدكتور خوجة الصاحب الأمين، رفيقاً رقيقاً شديد الورع واسع العلم، حافل الخاطر بالحكمة، موثق الحجة، وسلامة قصائده من اللفظ والسقط، إنه نوطة في القلب وروعة في النفس وقريب لفهمه السريع للأمور وسعة ذكائه في معالجة ما يعرض عليه من قضايا إعلامية تتصل بثقافة المجتمع وبعبقرية هائلة على الصبر وتحمل المسؤولية لأن عبقرية الدكتور خوجة إنما هي نفحة من الشباب المتواصل في العطاء لا ينالها إلا المخلدون.
|
إن الشعر الأصيل هو في اللغة وفي وظيفتها الأساسية إنه السلوك الإنساني العظيم، وليس للحياة البشرية معنى بدون شعر لمسيرتها.
|
إن الإباء والأنفة من الشيم العربية الخالدة التي تغلغلت في أعماق نفس الدكتور خوجة، إنه يعبر عنها أدق تعبير، ووصفه يلازم الواقع بكل أمانة ويأبى المبالغات في الوصف محافظا على الدقة في تصوير الحياة، لأن علومه الكيميائية والتي يحمل شهادتها بقلب دكتوراه في الكيمياء من جامعة برمنغهام، إن علوم الكيمياء حساسة ودقيقة لأنها خاص في المادة التي يتم بها كون الذهب والفضة بالصناعة، وبهدف معرفة قدرتها من المكونات يجب أن يضعها عالم الكيمياء في الميدان الشفاف ليقف على طابع المركبات وقواها وأمزجتها.
|
واختار الدكتور خوجة لفاتحة ديوان شعره بقصيدة ربانية بعنوان (سبحان من خلق) وهذا نصها:
|
|
سبحان من خلق القلوب لكي تؤانسنا بآه |
وتذوب من وجد على ألف ولام، ثم لام، ثم آه |
سبحان ربي في علاه وفي سناه |
أسرى بقلبي من ثراه إلى مداه إلى رؤاه |
وأذابه وجداً فهذا منتها لمنتهاه... |
سبحانه نوراً تسربل بالحجاب فلا تراه |
وهدى ترجع وحيه كل الشفاه |
لكنني شوق يظل مسافراً |
لا ينتهي أبدا سراه.. |
وقد اخترت للقارئ الكريم في هذه الحلقة بعض القصائد الحية وفي النثر من ديوان شاعرنا العربي وهي نموذج لقصائد ديوانه وهي تدل على حبه لوطنه ولعقيدته الإسلامية التي يؤمن بها.
|
وبأسلوبه المنظم للشعر قسم أبواب القصائد ومطالعها ليسهل على القارئ متابعة الديوان.
|
وكان الباب الأول لديوانه عن ربيع الحياة ومن قصائده عن الموعد الأول يقول:
|
|
|
في عبث طفولتي به رق الماء
|
حتى ظننا أننا نجمين حرقا في سماء
|
|
|
|
|
وفي قصيدة بعنوان لميس للعاشق غد يقول:
|
|
|
|
|
|
|
وفي قصيدة من وطنه في الحجاز بعنوان: أنت الوطن
|
أنت الوطن.. أنت الحنان والشجن
|
أنت الحجاز والهضاب والحزن
|
أنت السراة وتهامة المجد الأغن
|
|
مدي يديك واحضنيني.. يا سكن
|
|
|
|
|
وفي تصور الشاعر الواقعي لرسالة الإسلام قال في قصيدة عنوانها:
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
وتحدث الشاعر في ديوانه عن رحلة المنتهى عن أسفاره قال فيها:
|
|
في الكون أغنيتان ترتحلان من آه وآه
|
وصدى هوانا في رؤاه يضيء من وهج سماه
|
ضمي إلى أفيائك العليا ذراه لعلها تخضر من قرب ذراه
|
إني وهبت جناحه وحنانه وجنونه وجميع ما تتلو الشفاه
|
وهتفت إني عاشق ومتيم.. هذا الهوى المجنون لا ندري مداه
|
هذا أنا ما بين مجرى العطر حتى منتهاه
|
في رحلة قدسية غيبية أجلو بها صنع الإله
|
وأعود حتى أعتلي أقصى المنى في مرتقاه
|
وكأنني من مرتقاه لمنتهاه هوى تناثر في سناه
|
فأضاعني وأعادني وأذابني ونهلته شهداً تقطر من لماه
|
وعرفت أن الحب مرهون به وهتفت وارباه لا أحد سواه
|
والحق القصيدة بقصيدة أخرى بعنوان: بقايا طائر فيقول:
|
يا حبيباً كنت بالأمس حبيباً |
يستبيح القلب فأخت الشرود |
ليس عندي الآن قلب بل جراح |
وبقايا طائر دامي الجناح |
ليس عندي الآن روح بل خواء |
وحديث مع نفسي كالنواح |
وشرود.. وذهول.. وضياع |
وزفير تشتكي منه الرياح |
أحب شاعرنا لبنان الجميل الأخضر المتلألئة حياله بأشجار الأرز وبموقعه على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في ريعان شبابه وقبل أن يعين سفيراً لبلاده ونظم قصيدته الأولى بعنوان (حن إلى الغرق) قال فيها:
|
من قال إن الحسن لبناني نطق |
هذا الجمال المفرد فيها قد نطق |
يا بنت لبنان المرصع بالأرق |
بالأرز مؤتزراً تضحح بالعبق |
قلبي الذي يصبو إليك ندا خرق |
أهوى به طيف الهوى لما طرق |
يا بنت لبنان المجد في الأفق |
ولد الهوى من أرزكم ثم انطلق |
يتداول الناس الجوى حتى الرمق |
الشمس تضحك في الروابي والشفق |
والبدر يحلو في سمائك والغسق |
وله قصيدة ثانية بعد أن مارس عمله سفيراً لبلاده في بيروت بعنوان: (قلب بيروت حجر) قال فيها:
|
عشق بيروت قدر |
المليحات من الغيمات يسقطن مطر |
وحروف الوجد تشدو |
إننا نهواك يا معزوفة قد صاغها سحر الوتر |
صاحبي ياسائلي: من يقتل الناس ويمشي كالملك |
أو مأن حسناء لي، ثم تولت وكأني في طيفها أتبعها! |
صخرة الروشة قلبي |
ولها من أجل عينيها فؤادي كل يوم ينتحر |
صاحبي هل قلت لي قلب بيروت حجر؟! |
هات فنجاني وخذ منه الجوابا |
عشق بيروت قدر |
وله قصيدة ثالثة بعنوان: (لبنان عد أملاً) قال فيها:
|
قالوا تحب نعم، هل في الهوى خجل |
يا شعر لا شعر لي إن لم يكن غزل |
لما رأيت صباها هزني قلبي |
حتى إذا ابتسمت تبسم الأمل |
صافحتها ويدي ذابت على يدها |
والقلب يسبقني شعراً ويرتجل |
لبنان يا أملاً ما زلت موئله |
لبنان يا شامخ الهامات يا بطل |
لبنان من عتبي لأنني دنق |
أشكو رجالك والنيران تشتعل |
هذي هي الأرزة الشماء دامعة |
هذا هو الجبل العملاق ينفعل |
لبنان في قلبنا نار تؤرقنا |
خوفاً على بلد قد عزه الأزل |
لبنان أرض الحجى هل للحجى أجل |
قد حل في جدل أم جاءنا الأجل |
كأن لبنان لا أرض ولا نسب |
وأهل لبنان من لبنان قد رحلوا |
أين الثقافة هل جفت منابعها |
أين النهى نوره ضاءت به الدول |
يا ساساة البلد المستنجد اتحدوا |
هذي بلادكم والسهل والجبل |
لبنان إني على عهدي رفيق هوى |
مهما يطل بعدنا فالجمع يشتمل |
وفي قصيدة رابعة عن لبنان الجميل بعنوان:
|
|
إني لأعرف والفؤاد بصير |
أن الهوى قدر إليه أسير |
لبنان يا أهداب فاتنة لها |
قلبي يصفق عاشقاً ويمور |
هذا أنا ولواعجي وصبابتي |
والحب بين أضالعي محفور |
قد جئت أحمل ما لدي من المنى |
ومصير كل العاشقين سرور |
ما أن دخلنا جنة نصبو لها |
لبنان حتى عانقتنا الحور |
وطن التسامح بين أديان الورى |
يسمو بأجنحة الهدى ويطير |
وله على مر الزمان حضارة |
منها على الدنيا أضاء النور |
لبنان يا أصل الجمال ونبعه |
أترى لحسنك في الوجود نظير |
ما بين بحرك والذرى لي قصية |
شعر الهوى نغم لها وعبير |
بيروت يا أبهى الحسان ترفقي |
قلبي بك الولهان والمبهور |
أوغلت في حبين سحرك والصبا |
وتركت قلبي للشباك يسير |
صبر الغرام وما عرفت جنونه |
حتى رماني بالهوى شحرور |
إني أحب نعم وهل لي مهرب؟ |
هذا الغرام مقدر ومصير |
مطيع النونو |
|