تولي مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية موضوع رصد الأهلة أهمية بالغة، لما له من ارتباط بالشعائر الإسلامية، وبخاصة تلك الشهور المرتبطة بالعبادات، مثل: شهر رمضان المبارك، وشهري ذي الحجة ومحرم، وغيرها من الشهور، فتقوم المدينة مشكورة من خلال كوادرها البشرية وتجهيزاتها العلمية بإعداد التقارير الخاصة بأهلة أوائل الأشهر القمرية بشكل دوري، وكذلك المشاركة في لجان الرصد.
كل ذلك بما يتماشى مع التطور العلمي في هذا المجال، فالعلم يتطور، والاكتشافات وعلوم الفضاء والفلك في تقدم مذهل، والتكنولوجيا التي ترصد حركة الأفلاك والنجوم أصبحت متوفرة ومتقدمة ودقيقة، وعليه فلا وجود للأخطاء في الحسابات الفلكية -بإذن الله-.
وبين يدي كتاب صدر عن معهد بحوث الفلك والجيوفيزيا (قسم الفلك)، في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية عن (وضع الأهلة لعام 1430هـ)، أعده ثمانية من علماء الفلك، المشهود لهم بالعلم والثقة والأمانة والصلاح وصدق الأخبار والدقة في تحصيله ونقله، وهم: د. زكي بن عبدالرحمن مصطفى، د.أيمن بن سعيد كردي، د.عبدالرحمن بن حمزة مغربي، وصالح بن محمدالصعب، وسعد بن محمد الشهري، وحاتم بن محمد الدعجاني، وإبراهيم بن محمد الرعوجي، وفارس بن فهد المطوع.
وقد أجمعوا على أن وقت اقتران هلال شهر رمضان لهذا العام (1430هـ)، سيكون بمشيئة الله -تعالى- يوم الخميس الموافق: 29-8- 1430هـ، (حسب تقويم أم القرى)، الواحدة ظهراً وثلاث دقائق حسب التوقيت المحلي للمملكة العربية السعودية.
وتؤكد الدراسات الفلكية وجود عدد من الأجرام السماوية التي قد ترى بعد غروب الشمس، يوم الخميس الموافق: 29-8- 1430هـ، (حسب تقويم أم القرى)، الموافق 20- 8-2009م، مما قد يوهم بعض المترائين بأنه رأى الهلال.
وعلى خط مواز، فإن بيان المحكمة العليا الصادر- قبل أيام - بتحري هلال شهر شعبان مساء يوم الأربعاء عن طريق العين المجردة، أو المناظير لم يأت بجديد. إذ إن قرارا صدر عن هيئة كبار العلماء في السعودية، برقم (108)، وتاريخ 2-11-1403هـ، بجواز الاعتماد على المراصد، وأوصت بإيجاد مراصد في عدد من مناطق المملكة، لكن القرار لم ينفذ على أرض الواقع. كما أن هناك قرارا صادرا من مجلس الشورى، برقم (11-5- 18)، وتاريخ: 3-2-1418هـ، وأويد بقرار مجلس الوزراء ذي الرقم (143)، وتاريخ: 22- 8-1418هـ، بالموافقة على لائحة تحري رؤية أوائل الشهور القمرية، وتم اعتمادها من الملك، ونصت هذه اللائحة على ما يلي:
المادة الأولى: ترائي الهلال وتحريه حق لجميع المسلمين.
المادة الثانية: المعتمد في دخول الشهر وخروجه الرؤية الشرعية حسب ما قرره مجلس هيئة كبار العلماء.
المادة الثالثة: تقوم وزارة الداخلية بتكوين لجنة أو أكثر - حسب الحاجة - في المناطق التي تكون مظنة لرؤية الهلال، تسمى (لجنة تحري رؤية هلال أوائل الشهور القمرية).
المادة الرابعة: تكون هذه اللجان على النحو التالي:
1- مندوب من قبل الإمارة - رئيسا -.
2- أحد طلبة العلم من غير القضاة ترشحه المحكمة - عضوا -.
3- مندوب من قبل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية - عضوا -.
وعلى اللجنة أن تستعين بمن تراه من المعروفين بحدة البصر.
المادة الخامسة: تتبع اللجان في مواعيد تحريها وترائيها ما يصدر عن مجلس القضاء الأعلى (سابقا) من إعلانات طلب التحري.
المادة السادسة: تختار كل لجنة أنسب الأماكن لتحري الرؤية، في حالة وجود مراصد تابعة لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، أو تابعة للجامعات فإنها تعد مكانا للتحري، وعلى مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية والجامعات تسهيل ذلك.
المادة السابعة: أخذ في الاعتبار ما ورد في الفقرتين الخامسة والسادسة من قرار مجلس هيئة كبار العلماء ذي الرقم (108)، والتاريخ 2-11-1403هـ، تؤمن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية - عند الحاجة - مراصد متنقلة، ومناظير مكبرة في الأماكن التي لا تتوفر فيها مراصد ثابتة.
المادة الثامنة: تتولى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية إعداد جداول سنوية أو أكثر، توضح مواعيد الاقتران (مولد الهلال) شهريا، ومواعيد شروق الشمس والقمر وغروبهما، وموقع الهلال وشكله في مظنة رؤيته، ويتم إرسالها إلى - وزارتي - الداخلية والعدل لتوزيعها على الجهات المختصة.
المادة التاسعة: تقوم الإمارة بإيصال شاهد الرؤية - من اللجنة أو من غيرها - إلى أقرب بلد فيها قاض لإثبات الشهادة.
المادة العاشرة: مع مراعاة ما ورد في المادة السابعة، تؤمن الإمارة ما تحتاج إليه اللجنة من مستلزمات تتطلبها طبيعة عملها، بما في ذلك وسيلة النقل.
المادة الحادية عشرة: يعتمد معدو تقويم أم القرى في حساب أوائل الشهور القمرية على غروب الشمس قبل القمر حسب توقيت مكة المكرمة، وتتخذ إحداثيات (خطوط الطول وخطوط العرض) المسجد الحرام أساسا لذلك.
المادة الثانية عشرة: تتولى وزارة الداخلية متابعة تنفيذ هذه اللائحة.
المادة الثالثة عشرة: تنشر هذه اللائحة في الجريد الرسمية، ويعمل بها من تاريخ نشرها.
وبما أن الدراسات الفلكية أجمعت على أن وقت اقتران هلال شهر رمضان (1430هـ)، سيكون بمشيئة الله يوم الخميس الموافق: 29- 8-1430هـ، (حسب تقويم أم القرى)، الواحدة ظهرا وثلاث دقائق حسب التوقيت المحلي للمملكة العربية السعودية، فقد جاء ضمن توصيات مؤتمر الأهلة الذي عقد في المملكة العربية السعودية في مدينة جدة، عام (1419هـ)، برعاية منظمة المؤتمر الإسلامي، وحضره عدد كبير من العلماء والمسلمين في الشريعة وعلم الفلك، وعلى رأسهم - سماحة الشيخ - عبدالعزيز بن باز- رحمه الله -، حيث كان من ضمن التوصيات: عدم قبول الشهادة برؤية الهلال إذا قرر علماء الفلك أن الهلال يغيب قبل شمس تلك الليلة، حيث إن الشهادة المقبولة لا بد أن تنفك عما يكذبها حسا وعقلا وشرعا، وأنه متى قرروا أن الشمس ستغيب قبل القمر فعندئذ تقبل الشهادة بشروطها، حيث إن الحساب في ذلك دقيق لا يحتمل الخطأ أبدا. فيعتمد الحساب في النفي لا في الإثبات، ولا يمكن أن يتعارض الحساب مع الرؤية الصحيحة، فالله - عز وجل - يقول: (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب).
وأذكر ذات مساء، أن فضيلة الشيخ: عبد المحسن العبيكان روى لنا بعض القصص، وما يقع من الخطأ في تلك الشهادات. فقد حصل منذ سنوات أن شهد أربعة شهود أنهم رأوا الهلال في تبوك، وسجلت تلك الشهادة، ورفعت إلى مجلس القضاء الأعلى، لكن لوحظ أنهم شهدوا بأنهم رأوا الهلال معكوسا نوره في الأعلى، وهذا يتنافى تماما مع واقع الهلال، لأنه يستمد نوره من الشمس التي غابت في الأفق قبله.
كما أن هناك رجلاً في بلدة بنجد كان يشهد دائماً برؤية الهلال، فلما عين أحد المشايخ الفضلاء رئيساً لمحاكم تلك المنطقة، لاحظ على الشاهد ضعف البصر وكبر السن، فشك في أمره فأراد أن يختبره، فطلب من الشاهد في أحد الشهور أن يريه الهلال الليلة الثانية من الشهر، فلم يستطع رؤيته على الرغم من كبر الهلال ورؤية الجميع له، فهدده رئيس المحكمة إن هو شهد بعد ذلك بالعقاب. كما يروى عن شاهد في بلدة أخرى، أنه يقول: إنني أرى الشمس والقمر يتسابقان في الظهيرة.
لذا فإنني أطرح توصية إلى الجهات المختصة، في حق كل من أراد أن يتراءى الهلال بضرورة أن يكون بصحبة اللجنة الدائمة المختصة الرسمية مع وجود المرصد، حسبما نصت عليه لائحة تحري رؤية هلال أوائل الشهور القمرية، وتم اعتمادها من مجلس الوزراء، حتى يتم التأكد يقينا من صحة الرؤية، براءة للذمة ونصحا للأمة، وحتى يطمئن المسلمون إلى صحة مواقيت عباداتهم من خلال تحقق الرؤية الشرعية للهلال، إذ إنه لا يجوز أبدا الاعتماد في أمورنا الشرعية على الأسباب التقليدية الظنية في النتائج، والحال أن لدينا وسائل نتائجها قطعية.
سؤالي الأخير.. لماذا لا يكون هناك اعتبار لرأي الهيئات العلمية التي لديها علماء في علم الفضاء والفلك، ليتم التنسيق بين الجهة المختصة بإثبات رؤية الهلال وبين تلك الهيئات العلمية - كمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية - كما هو الحاصل في مصر حين ربطت إدارة الفتوى هناك بالمعهد القومي لعلوم الفلك في حلوان؟
drsasq@gmail.com