Al Jazirah NewsPaper Thursday  30/07/2009 G Issue 13454
الخميس 08 شعبان 1430   العدد  13454
تدخل الغير في الحياة الزوجية
عبد الله بن محمد السعوي

 

يستحيل أن توجد حياة زوجية خالية من الخلافات الإشكالية ولكن ثمة فرق بين إشكالية وأخرى، سير الحياة الزوجية على نمط واحد خال من المشاكل لا يمكن ولو افترض وجوده لكان من شأنه الإفضاء إلى الركود وتوليد السآمة التي تفقد الحياة الكثير من زخمها المعنوي؛ وجود الخلافات أمر طبيعي بل إن الحياة الزوجية

تقوم أساسا على الاختلاف لا على التماثل وهو عندما يتم التعامل معه بحكمة يؤدي إلى تجديد المناخات الزوجية ويفتح آفاقا جميلة تعود بالدفء على تلك العلاقة المشتركة؛ لكن وهذا هو الإشكال عندما تتفاقم تلك الاختلافات ويستفحل وضعها وتخرج عن دائرة السيطرة وهذا غالبا لا يحدث إلا عندما يتم التدخل الخارجي من قبل الغير فهذا كثيراً ما يعرض العلاقة الزوجية للانهيار. الزوج العاقل والزوجة العاقلة هما اللذان يحيطان حياتهما بسياج من السرية المتكاملة ولا يتيحان لكائن من كان مجالا باقتحام إطارها. هناك الكثير من البيوت تصدع بنيانها وتصاعد تباينها وتلوث مناخها العام وانخفض مقدار الثقة بين طرفيها بسبب ضعف شخصية أحد الزوجين وتدخل الآخرين من خلاله. التدخل سواء من أهل الزوج، أو من أهل الزوجة لا يفضي في أغلب الأحوال إلا إلى تدمير الحياة الزوجية أو تحويلها إلى هيكل خال من المضمون. هذا التدخل يفشل لعدة أسباب منها؛ أولا: القصور في فهم شخصية الزوجين ولا شك أن الوعي بطبيعة الشخصيات وفهم ما هية تركيبها وإدراك طريقة تفكيرها شرط جوهري لإحسان التعامل معها فقد تكون مثلا شخصية أحد الزوجين تتصف بالعناد الحاد وهنا لابد من الابتعاد عن مصادمتها ومواجهتها بشكل مباشر وإنما يتم التعامل معها بعد بذل جهد في تلطيف الأجواء وتهدئة الأوضاع وامتصاص الاحتقان ومن ثم اعتماد طريقة ودية في التواصل. إن فهم الشخصية ضرورة قصوى لأنه بناء على ذلك يتحدد نوع التعامل، فهناك فرق في التعامل بين الشخص الجاهل والعالم، الأحمق والحكيم، الحساس والبليد، هناك فرق في معاملة الزوج الذي لديه قدر كبير من الحب والزوج الذي ليس في قلبه أي مساحة من الحنان لزوجته، هناك فرق في التعامل بين الشخصية الناضجة المتزنة، والشخصية الفاقدة لتلك الصفات، وقديما قيل: (من كان الناس عنده سواء، فليس لعلته دواء). ثانيا: من أسباب فشل التدخل عدم وجود درجة كافية من الحياد وعدم السماع من كلا الطرفين وإنما الاقتصار في ذلك على طرف واحد؛ سماع وجهة نظر واحدة لا يورث إلا تشويشا في الصورة الذهنية وانطباعا مرتبكا فاقدا للمنطقية بسبب اعتماده على الرؤية الجزئية. العاقل يحكّم عقله فلا يسارع إلى الحكم على شيء إلا بعد التثبت والتأني والروية والسماع من كل الأطراف بينما الأحمق تقوده العواطف وتتقلص لديه الأبعاد العقلانية، ولذا فهو يسمع من طرف واحد وبالتالي التأثر العاطفي الشديد ومن ثم إصدار الحكم الفاقد لمبرراته. ثالثا: أحيانا بعض الأسر لديها مهارة فائقة في إذاعة الخلافات والبوح بكل ملابساتها فيعرضون أنفسهم للوك الألسنة ويصبحون مادة حديثية دسمة تتداولها المجالس فيطلع على أسرارهم القريب والبعيد مما يفضي إلى استفحال المشكلة وإذكاء أوارها وتعدد أطرافها فيشمخ كلّ بأنفه مما يعيق بالتالي إمكانية توليد الحلول. إن ذلك النمط من الأوساط الأسرية التي تفشي الأسرار وتفتقد للحكمة في تعاملها تجعل الزوجة أو الزوج العاقل يحجم عن الإفصاح لهم - حتى ولو اضطر إلى ذلك - عن بعض الحيثيات ويعرض عن استشارتهم لاعتقاده بعدم جدارتهم في إدارة الخلاف وتوجيه مساراته نحو الأمان؛ إن فسح المجال وإتاحة الفرص للآخرين باقتحام العش الزوجي ليس من الحكمة في شيء والزوجان العاقلان يبذلان أشد الوسع في تطويق الخلاف وتحجيمه وتقصير مدته وتجفيف منابعه وتضييق دائرته وعلاجه من غير الحاجة إلى تدخل خارجي. الزوجان الناضجان العلاقة بينهما قائمة على التنازل والتغافل والحرص على تسهيل الانسحاب لمن أخطأ وإتاحة الفرصة له لحفظ ماء الوجه. مما يثير العجب أن التدخل السلبي دائما ما تقوده الأم سواء أم الزوج، أو أم الزوجة بينما الأب مغيب فهو نتيجة لضعف شخصيته مقصى خارج اللعبة مهمش ومغلوب على أمره، في حين أن الأم تمارس لعبتها التخريبية وتهد حياة ابنها أو حياة ابنتها التي هي الخاسر الأكبر في هذا الخلاف، وكم من امرأة خسرت زوجها كانت أمها السبب الأول في ذلك حيث كما أنه هناك أمهات لا تسعد إلا باستعداء ابنها على زوجته وإثارته ضدها وشحن قلبه عليها، فهناك أيضا أمهات لا تشعر بالابتهاج إلا عند ما تثري اللغة التحريضية فتحث ابنتها على التمرد على زوجها، ومن ثم تحويل حياتهما إلى حلبة للتراشق والتراشق المضاد!. الجهل والرغبة في التسلط والحماقة المتناهية المتأصلة في النفس هي ما يدفع تلك النوعيات إلى التدخل وتوليد أجواء من الكآبة تعصف بعوامل الاستقرار الزوجي! ومن هنا فالسؤال المعمق عن الأسرة قبل الارتباط بها ضرورة ملحة والأمثلة الشعبية أشارت إلى ذلك: (اسأل عن أمها قبل أن تضمها).



Abdalla_2015@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد