تبدو الصورة الشخصية للمرأة في نظر البعض من أكبر الإشكالات وأشدها تعقيداً وحساسية. وتستغرب من بعض أطياف هذا المجتمع، ما أن تتسنم امرأة ذروة القيادة والريادة، أو تبرز في مسار معين يحتّم موقعها عليها الخروج حتى تشرأب الأعناق، وتكثر التساؤلات في الساحات والمنتديات الخاصة والعامة. أقل تلك التساؤلات، من هي تلك المرأة؟ وما إنجازاتها التي تحققت؟ ما السيرة الذاتية العملية لها؟ ما الذي يأمله المجتمع والمؤسسة التي تنتمي إليها منها؟.. أسئلة فيما يبدو أكثر من رائعة لو أننا توقفنا عندها، وتحاكمنا عليها، ومع ذلك فتلك المحاور من التساؤلات ليس لها النصيب الأكبر من الحديث، بل التساؤلات الكثيرة عنها. ما شكلها؟ ما لونها؟ هل سبق أن نشرت صورتها في وسائل الإعلام؟ ما الهيئة التي ظهرت بها في الصورة؟ هل يبدو عليها شيء من التغنّج؟ هل سمحت بذلك أم لم تسمح؟ من تشبه من أفراد الأسرة؟ هل والدها على قيد الحياة؟ هل هي متزوجة أم لا؟ ما رأيها في الاختلاط؟.. أعانها الله ووفقها إن كانت غير متزوجة، فالجلل عظيم، والخطب جسيم. ولا يكادون يخرجون من تلك التساؤلات حتى يدخلون في مسارات أخرى أكثر جدلاً. هل ترتدي الحجاب الشرعي؟ ما صفته؟ وما القول الراجح والمرجوح فيه؟ ماذا قال الحنابلة، وماذا قال الشوافع؟.. ولا تستغرب إذا عقدت الندوات والمحاضرات وألفت الكتب في مثل هذه الوقائع التاريخية!!. والحسنة الوحيدة في هذا الجدل إثراء العقل العربي، وتجديد نشاطه الفكري، والخروج به من الرأي الآحادي الذي سيطر عليه في أعقاب العصور الذهبية للحضارة العربية والإسلامية التي سادت، وتقلّص ظلها بعد أن دخلنا بما يسميه (المؤرخون) بعصور الانحدار والانحطاط.
|
* قد يزول شيء من الاستغراب إذا عرفنا أن العرب بالذات فُتنوا وافتنّوا في أدق التفاصيل عن المرأة، والأدب العربي على امتداد التاريخ راصدٌ كبير، وشاهد أمين، وهو في ذلك العصر، وفي هذا العصر تختلف صورة المرأة ومكانتها تبعاً للبيئة التي تحيط بها، وما يحكمها من تقاليد وأعراف، وهذه حسنة أخرى للعقلية العربية حين تقيم للعرف والتقاليد أوزانها في مثل تلك المواقف والإشكالات.
|
* ومع كل ما أثير هناك حقيقة لابد من الإشارة إليها، إذ من المؤكد أن العقل العربي، وفئة الأدباء منهم على وجه الخصوص لم يبدعوا في تصوير المرأة، والتغني بمحاسنها ومفاتنها، ودلالها وجمالها، ووقارها وحشمتها إلا في ظل بيئات محافظة ضربت على المرأة سياجاً متيناً من العزلة، وغرست فيها مجموعة من القيم الأخلاقية، رغم أنها أباحت لها من الممارسات آنذاك ما حرّم عليها بعد ذلك، ومع ذلك فجذوة الإبداع اشتعلت من هذا الباب، واستيقظت عنهم حاسة التخيّل، بعد أن صعب عليهم الوصال، وعزّ اللقاء بمن يرومون من هذا الجنس لأسباب مختلفة، وبلغت بهم الدقة أن نسبوا كل عضو من أعضائها إلى بيئة محددة امتازت به عن غيرها وعرفت به، يستلفت انتباهك حين يقول أحدهم:
|
حجازية العينين، نجدية الحشا |
عراقية الأطراف، روميّة الكفلِ |
تهامية الأبدان، عبسية اللمى |
خزاعية الأسنان، درية القبلِ |
* وفي ظني، لو أن هذا الشاعر أدرك الإسلام، ووقف عند بعض صفات (الحور العين) الواردة في الأثر، لحاز المجد من جميع أطرافه، ولا ألبس المرأة من الصفات ما عجز عنه غيره.
|
* قد تكون المجتمعات العربية دخلت فيما بعد ذلك (عصر التهجين) فلم تعد هناك سمة، أو صفة محددة لبيئة، أو قطر معين، وتساوى في ذلك الجميع، وفقدت الخصوصية التي تباهت بها بعض البيئات فترة من الزمن، بعد أن كشف القناع، رمز المحافظة والجمال. ا ه
|
|