تأزيم الخارج لصرف الأنظار عن الفشل الداخلي أسلوب من أساليب ثورة الخميني، وتحديداً الجناح المحافظ. رئيس الدائرة السياسية للحرس الثوري الإيراني (المؤسسة الأقوى في إيران) قال في تصريح نشره موقع (عصر إيران) على الإنترنت: (إن أعداء الثورة الإسلامية أدرجوا نسخة من الثورة المخملية على جدول أعمالهم، لكن يقظة الشعب، وتوجيهات قائد الثورة الإسلامية، أفشلت هذه الفتنة الكبرى). وكان مرشد الثورة نفسه قد وصف من يعترضون بأنهم (عملاء للخارج تحركهم دولٌ أجنبية).
غير أن الواقع كما تقول كل المؤشرات يختلف عما يقوله المسؤول الإيراني ورئيسه. فالخارج ليس مسؤولاً عن مستوى الفقر المتفاقم في إيران رغم أنها دولة بترولية غنية. والخارج ليس مسؤولاً عن أرقام البطالة التي تتزايد كل يوم جديد. والخارج ليس مسؤولاً عن صرف مداخيل البترول على الصناعات العسكرية، والتسليح، بينما يتضوّر الشعب الإيراني جوعاً. وأعداء الثورة لا علاقة لهم البتة في أن الإيرانيين هم أكثر شعوب المنطقة استهلاكاً للمخدرات. والخارج لا علاقة له -أيضاً- بالكرم الإيراني على حزب الله في لبنان، أو حماس في فلسطين، أو الحوثيين في اليمن، أو تحويل مسلمي إفريقيا -مثلاً- إلى المذهب الشيعي. فالذين خرجوا إلى الشوارع، واعترضوا على تزوير الانتخابات كانوا يُعبرون بشكل تلقائي وعفوي عن مأساة الإنسان الإيراني وقضاياه الداخلية وليس فقط عن تزوير الانتخابات؛ وعندما يُصر حكام إيران على تجاهل هذه الحقيقة فهم يكررون (الخطأ) الأهم الذي أسقط دولة الشاه.
فشل التنمية الاجتماعية، وسوء سياسات الشاه الاقتصادية، كانت من أهم الأسباب التي أسقطت الشاه، إضافة إلى صرف جُل (مداخيل إيران) من النفط على الحلم الإمبراطوري، وبناء الدولة الأقوى عسكرياً في المنطقة على حساب تنمية الإنسان وتحقيق دولة الرفاه الاقتصادي لمواطنيها.
الآن كل المؤشرات والأرقام القادمة من إيران تؤكد أن إيران تعيش أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، وتكرر نفس تجربة الشاه. فالتضخم خلال العشر سنوات الأخيرة يتراوح بين 20% و25%، والبطالة تتجاوز آل 15%، والفقر وصل إلى معدلات غير مسبوقة حتى في عهد الشاه؛ وبعد إيقاف عمل (بنك ملي إيران)، البنك الرئيسي في إيران، والذي أوقف الاتحاد الأوروبي التعامل معه بعد أمريكا، تشكلت أزمة حقيقية في التبادل التجاري الإيراني مع العالم؛ مما زاد الأوضاع تدهوراً. وتؤكد تقارير متخصصة أن مداخيل النفط تحقق فائضاً منذ العام 2001، غير أن هذه الفوائض لم تُستثمر في التنمية الاقتصادية، وخلق فرص عمل، والتقليل من البطالة، ومحاصرة الفقر، وإنما تذهب مباشرة إلى مصروفات الأجهزة الحاكمة، وإلى الإعانات المعيشية في الداخل، وكذلك إلى دعم بعض الحركات التابعة لإيران في الخارج؛ أي أنها تذهب إلى (الاستثمار السياسي). ومع انخفاض أسعار النفط إلى حدود آل 60 دولاراً كما هو معدل الأسعار حالياً، فمن المتوقع أن يزداد هذا الفشل تفاقماً، وبالتالي يزداد تذمر الإيرانيين وتنامي أعداد المعارضين للنظام، مما سيجعل مستقبل النظام برمته على كف عفريت إذا لم يتم ترتيب الأولويات بحيث يكون تحسين الأوضاع الاقتصادية له (الأولوية المطلقة). يقول ستيفن جلين في مقال له عن إيران: (إن أكثر القوى حسماً تلك التي لا نراها).
إلى اللقاء،،،،،