Al Jazirah NewsPaper Monday  27/07/2009 G Issue 13451
الأثنين 05 شعبان 1430   العدد  13451
وداعا - محمد الجحلان - والدي الثاني
جارالله بن عبدالرحمن الجحلان

 

في المواقف الصعبة على الإنسان.. تستعصي الفكرة، وتتبعثر الكلمة التي لايمكن استحضارها بسهولة كما جرت العادة في المواقف الطبيعية، والاعتيادية.

في حالة أن تفقد شخصاً عزيزاً وغالياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. فإنك تبدو تائهاً في صحراء قاحلة.. ولك أن تتخيل قساوة ذلك المشهد الرهيب!!

.. هكذا أستطيع وصف الحالة التي عشتها.. وطعم المرارة التي ذقتها منذ الدقيقة الأولى التي اطلعت فيها على نهاية الخبر الصاعق المتمثل في وفاة شقيقي وصديقي ولا أبالغ إذ قلت بأنه بمثابة الوالد الكبير منذ سنوات طفولتي المبكرة نظراً لما تلقيته من الفقيد الحبيب محمد الجحلان من دروس تربوية كانت لها أكبر الأثر في بناء ورسم ملامح شخصيتي.

.. لقد تعلمت من (أبو خالد) منذ أن كنت طالباً يافعا في المرحلة الثانوية - وكأنه يضع يديه على جانبي جسدي كمثل من يعلم الطفل الصغير على المشي بتوازن حتى لا يسقط.

كيف تكون قيمة الإنسان في هذه الحياة؟ وما الهدف الذي يجب أن يصل إليه؟ كان ذلك بالكفاح والجد والمثابرة واستثمار الوقت.. ولأن الفقيد -رحمه الله- كان يجمع الدراسة مع الوظيفة فقد قام بتوجيهي وحصلت منه على دعم وتشجيع لا محدود من قبله للسير في ذلك الطريق.

لقد كان -رحمه الله- خير عون ودافع مادياً ومعنوياً إذ ساهم في تذليل كافة العراقيل التي واجهتني.. وبالطبع لم أكن منفرداً لوحدي بتلك الميزة.. فرعايته شملت بقية أفراد الأسرة من أبناء وبنات وامتدت لتشمل من هم خارج النطاق من أقارب وأصدقاء لايزالون يتحفظون يجمائل ومكارم الفقيد.. وقد تجلت تلك المشاعر الصادقة خلال أيام العزاء!!

لقد عرفت (أبا خالد) عن كثب بقلبه الأبيض المفتوح الذاتي (أحسبه) مفتوحاً على مصراعيه.. وأحمد الله شاكراً أنني كانت أحظى بمحبته الكبيرة.. وجدته شهماً كريماً.. متسامحاً إلى أقصى الحدود.. كان ذلك مع البعيد قبل القريب!

منذ صغري أدركت مدى ارتباطه بالوالد -رحمه الله- وبالوالدة أطال الله في عمرها ومتعها بالصحة والعافية على عمل صالح..

كان همه الوحيد - بر ورضا الوالدين - والعمل على إسعادهما، وهذا بالنسبة له يمثل خط (أحمر) لايمكن تجاوزه..

وهنا ينبغي الإشارة إلى أنه في فترة خضوعه للعلاج في أمريكا منذ ثلاث سنوات.. كان على اتصال مستمر مع الوالدة ليبعث في نفسها السكون والطمأنينة حيث عاشت فترة قلق وألم على حالته.. ومع ذلك كان يتمتع بإيمان قوي وروح عالية حتى لا ترى ولاتسمع أنه يعاني من آلام المرض.

منذ شهر قبل موعد رحيله تعرض ابني الأكبر (راكان) إلى عارض صحي أقعده الفراش في العناية المركزة وحتى الآن، (أسال الله لمرضاناكافة ولابني خاصة الشفاء العاجل إنه سميع مجيب)، بحيث لم يتمكن من تأدية امتحان الثانوية العامة قبل موعد الامتحان بيومين.. ومع إيماني بقضاء الله وقدرته من هذا الابتلاء الذي يختبر به عباده لم أشأ أن أخبر شقيقي (أبو خالد) بهذا الخبر أثناء زيارتي المستمرة له حيث كان ابني في مستشفى وأخي في مستشفى آخر.. يوماً أزور ابني قبل أخي ويوماً أخي قبل ابني حسب الحالة - وفوجئت في اليوم الثالث من دخول ابني المستشفى وزيارتي لأخي حينما بادرت بالسلام عليه كان مسترخياً ومنهكاً، وفجأة حاول أن يستجمع قواه متسائلاً عن وضع ابني راكان الصحي.. وقد ذهلت في بداية الأمر كيف وصل الخبر إليه؟ اتضح بعد ذلك أنه علم بالخبر عن طريق أحد زائريه!!.

ومنذ تلك اللحظة رفع يديه سائلاً المولى العزيز أن يشفي ابني متناسياً آلامه ومعاناته مع المرض في مشهد حزين ومؤثر لايمكن لي أن أنساه طيلة حياتي.

ومن حسن خاتمة أخي (أبو خالد) كان يعيش في شبه غيبوبة ولكنه يستفيق (والله الحمد والمنة) عند أوقات الصلوات ويطلب من أبنائه خالد أو عبدالرحمن مساعدته بإتمام الصلاة عن طريق التيمم.

قبل الختام لقد حان وقت الاعتراف بما قدمه لي الفقيد من خدمات مؤكداً بأن له اليد الطولى لما وصلت إليه حتى الآن جعلها الله في موازين حسناته آمين.

إننا على فراقك لمحزونون.. أسأل الله القدير أن يجعل مقامك في الفردوس الأعلى.

{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد