القاهرة - مصطفى صلاح :
أودعت محكمة جنايات جنوب القاهرة، حيثيات حكمها بإعدام كلٍ من رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى وضابط أمن الدولة محسن السكري، وذلك في قضية مقتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم، حيث جاءت الحيثيات في 203 ورقة، أكدت فيها المحكمة اعتمادها على 16 دليلاً قانونياً أدانت بها المتهمين، وردت فيها على دفاع المتهمين، مشيرة إلى أن المتهمين تأمروا على مقتل امرأة ضعيفة، بعد فشل المتهم الثاني هشام طلعت مصطفى في الاستئثار بها لنفسه، وسلكا في سبيل ذلك كل الطرق غير المشروعة بداية من محاولة إعادتها من لندن إلى محاولة اختطافها ثم محاولة قتلها. وأكدت المحكمة أنه ثبت لها على وجه الجزم واليقين ارتكاب المتهمين للجريمة وأن ما اثاره الدفاع من محاولات للتشكيك في أدلة الاتهام لا يوجد سند أو دليل عليها.
وأضافت المحكمة في حيثياتها أن رد المفتي جاء إيجابياً بضرورة القصاص من المتهمين عقاباً لهما على ما ارتكباه، ولم تجد المحكمة لهما أي سبيل للرأفة أو الرحمة بهما، ليصدر الحكم بالإعدام بإجماع الآراء، مضيفة أن كلا المتهمين أرادا في بداية خطتهما أن يقوما بتنفيذ حادث سيارة تتوفى على إثره سوزان تميم، أو يتم إلقاؤها من إحدى البنايات العالية، على طريقة وفاة سعاد حسني وأشرف مروان. ووصفت المحكمة، محسن السكري المتهم الأول في القضية، بأنه شخص قوي البنيان استغل ذكاءه في الشر وقتل المجني عليها، ووصفت الثاني هشام طلعت مصطفى بأنه شخص ذو نفوذ وسلطة استخدمهما في استئثار المجني عليها لنفسه، ومع رفضها أعد خطة للانتقام منها.
وأوضحت المحكمة أنها عاقبت هشام طلعت بالإعدام على الرغم من أنه محرض لأن فعل الشريك المتسبب في واقعة القتل يجعله في حكم المباشر كما لو كان المباشر مجرد أداة في يد الشريك، لذلك فإن المحكمة وقعت عقوبة الإعدام على هشام طلعت لأنه في حكم الفاعل الأصلي، إذ إن الجريمة تمت بناء على طلبه وبأمره وبتكليف منه. وأوضحت المحكمة أنه وقر في يقينها على وجه الجزم واليقين أن المتهم الثاني هشام طلعت استغل حب المتهم الأول محسن السكري لجمع المال وأغراه بالملايين وظل يلاحقه ويوسوس له بقتل المجني عليها سوزان تميم وسهل له التنقل والإقامة في الدول التي توجد فيها المجني عليها ورصد له الأموال اللازمة لتنقلاته وإقامته خلافاً للملايين التي مناه بها ودفعها إليه بعد تمام التنفيذ.
وقالت الحيثيات إن المحكمة استقر في وجدانها من استخلاص الأوراق أن الفنانة سوزان تميم ارتبطت بعادل رضا معتوق صاحب شركة أوسكار الذي وقعت معه عقد احتكار فني لمدة 15 عاماً، ثم ساعدها على إنهاء زواجها من زوجها الأول علي مزنر، بعد أن طلبت منه الطلاق فرفض محاولاً إعادتها لمصر، حيث تعرفت على رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى عضو مجلس الشورى وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم، الذي شغفها حباً، وخصص لها جناح خاص بفندق الفورسيزون الذي يساهم في ملكيته، وسعى جاهداً في سبيل الزواج منها. وأضافت الحيثيات أنه لم يكتفِ بذلك، بل ساوم عادل معتوق على طلاق سوزان تميم مقابل مليون و250 ألف دولار دفعها (طلعت) له، وظلت المجني عليها معه بالقاهرة وكان يصطحبها معه في جميع سفرياته في طائرته الخاصة وأغدق عليها المال وقابلت المجني عليها كل هذا بالسحب من حساباته الخاصة في بنوك سويسرا، وانه كان يسعى من وراء ذلك إلى الارتباط منها بزواجها إلا أنها كانت تماطله، وتتهرب مرة بحجة إنهاء مشاكلها مع عادل معتوق، وتارة بسبب رفض والدته لهذا الزواج.
أوضحت الحيثيات أن هشام طلعت قابل العز والكرامة بالنكران والجحود على الرغم من حصوله على المال والسلطة والنفوذ، قابل كل هذا بالنكران، فقد ظن أنه امتلك المجني عليها ولم يكتف بذلك وضيق الخناق عليها وأحاطها برجاله، يراقبونها في كل تحركاتها، وعندما أرادت الفكاك منه بعد أن غافلته وهربت من فندق الفورسيزون إلى فندق آخر إلا أن قوة نفوذه وسيطرة رجاله تمكنوا من استعادة سوزان إليه مرة أخرى، وأشارت الحيثيات إلى أن طلعت اصطحب المجني عليها في نوفمبر 2009 إلى لندن، وهناك تمكنت من مغافلته والحراسة المحيطة بها وهربت إلى بيت خالها، وان هشام لم يستطع الوصول إليها وعاد للقاهرة على طائرته الخاصة، وانه شعر بالخيبة لاستيلاء المجني عليها على أمواله فراح يهددها بالعودة إليه أو إعادتها بالقوة وحاول مراراً وتكراراً إقناعها بالعودة إلى مصر، إلا أن محاولاته باءت بالفشل.
وتعرفت سوزان في هذه الفترة على الملاكم العراقي رياض العزاوي الذي يحمل الجنسية البريطانية والذي اتخذته حارساً لها، وحامياً لها من رجال هشام طلعت، ولم تكتفِ سوزان بذلك بل تقدمت بشكوى للسلطات البريطانية اتهمت فيها (طلعت) بمحاولة قتلها وتهديدها، إلا أن السلطات البريطانية انتهت إلى حفظ الشكوى، ولما لم يفلح للوصول إليها، استأجر المتهم الأول محسن السكري ضابط الشرطة السابق المتخصص في مكافحة الإرهاب، والذي كان يعمل لديه مديراً لأمن الفندق بشرم الشيخ، وأمده بالأموال اللازمة، وساعده بعد أن اتفق معه على ملاحقة المجني عليها وخطفها والعودة بها إلى مصر، وساعده على الحصول على تأشيرة دخول لندن من السفارة البريطانية في مصر، وان المتهم الأول سافر بالفعل 3 مرات، ولكنه فشل في المهمة التي أوكلت إليه.
وعاود المتهمان التفكير في الأمر وقلباه على كل الوجوه حتى أوصلهما شيطانهما إلى فكرة التخلص من المجني عليها بقتلها، اما بافتعال حادث سيارة أو بإلقائها من شرفة مسكنها حتى يبدو الأمر كأنه حادث انتحار على غرار ما حدث مع أشرف مروان والفنانة سعاد حسني، ورصد المتهم الثاني لذلك مبلغ مليون جنيه إسترليني يدفعها للمتهم الأول وقد حصل على 150 ألف يورو، وقام المتهم الثاني هشام طلعت بإيداع 20 ألف جنيه إسترليني في حساب المتهم الأول في أحد البنوك، ولكنه فشل مرة ثانية في تنفيذ المهمة المكلف بها نظراً لقدرة المجني عليها على التخفي، وقد غادرت من لندن إلى دبي برفقة المدعو رياض العزاوي، واشترت شقة ببرج الرمال بمنطقة الجميرة بدبي من الأموال التي استطاعت الحصول عليها من هشام طلعت. وعندما علم هشام بذلك استشاط غضباً لتحديها نفوذه وسلطانه واتفق مع السكري على خطة للتخلص منها في دبي وقتلها، وتوصلا إلى قيام السكري باصطناع رسالة شكر نسبها إلى الشركة المالكة للعقار التي تقطن به سوزان تميم وأعد إطاراً خشبياً واصطنع العلامة الخاصة بالشركة العقارية بعدما أمده هشام بصورة من العقد واستخدم هذه الرسالة في تسهيل دخوله إلى برج الرمال الذي تقطن به المجني عليها كما أن طلعت ساعده في تأشيرات الدخول والخروج، وأمده بمبلغ مليوني دولار كمكافأة بعد تنفيذ الجريمة، ولهذا سافر محسن السكري إلى دبي واستقر بفندق هيلتون بدبي وحضر صباح 24 يوليو 2008 إلى برج الرمال ودرس كل مداخل برج الرمال ومخارجه، حيث استقر في فندق شاطئ الواحدة وأقام في الغرفة 817 وأعد البرواز كهدية، وظل يتحين الفرصة لتنفيذ جريمته بعد أن أعد الأداة المستخدمة في الحادث، وهي مطواة اشتراها من السوق التجاري ببرج الرمال، كما اشترى الملابس التي ارتداها أثناء ارتكاب الجريمة.
وصعد إلى البرج ذات يوم الجريمة في الثامنة و48 صباحاً حيث أشار إلى حارس الأمن بورقة وهمية تفيد بأنه مندوب من الشركة العقارية ويريد تسليم هدية للمجني عليها، ثم استقل المصعد وطرق باب المجني عليها بعد أن أشار بالعلامة التجارية إليها من العين السحرية، وعندما اطمأنت وفتحت له عاجلها بالطعنات، وكمم فاهها، وقام بنحرها وتركها وسط بركة من الدماء وأثناء مقاومتها أحدثت السكين بعد الإصابات في الرقبة وبعد أن تيقن المتهم من تلوث يديه وملابسه بدم المجني عليها توجه إلى المطبخ وغسل يديه، وخلع ملابسه الملوثة بالدماء وهي تي شيرت مخطط وبنطال ماركة (nick) حيث كان يرتدي المتهم هذه الملابس تمهيداً لتغيرها عند هروبه من مكان الجريمة ونفذ خطته المرسومة مسبقاً إلا أن حذاءه الذي كان ينتعله ترك اثاراً مدممة على أرضية الشقة، وخرج مسرعاً دون التأكد من إحكام غلق باب الشقة.
وهبط المتهم بعد ذلك إلى الطابق 21، وأخفى ملابسه في صندوق الحريق، ثم هبط المصعد إلى الطابق الأرضي وتخلص من المطواة المستخدمة بإلقائها في الخليج وعاد إلى فندق شاطئ الواحة في التاسعة صباحاً و9 دقائق و9 ثوانٍ بعد أن غير هيئته للمرة الثانية ثم نزل إلى الاستقبال، وغادر الفندق في التاسعة و32 دقيقة صباحاً مستخدماً سيارة أجرة أقلته إلى مطار دبي حيث حجز على الطائرة الإماراتية التي غادرت إلى القاهرة في السادسة و30 دقيقة مساء يوم الجريمة 28 يوليو 2008 ووصل إلى القاهرة، حيث اتصل هاتفياً بالمتهم الثاني الذي كان يتابعه في جميع مراحل الجريمة، وأبلغه بعملية التنفيذ ورتبا قواعد اللقاء الذي تم بينهما بفندق الفورسيزون في 1 أغسطس 2008 والذي سلم فيه هشام طلعت حقيبة جلدية للمتهم السكري تحتوي على مليوني دولار أجره عن قتل المجني عليها.