Al Jazirah NewsPaper Monday  27/07/2009 G Issue 13451
الأثنين 05 شعبان 1430   العدد  13451
من أسباب الطلاق
عبد الله بن محمد السعوي

 

من الظواهر اللافتة للنظر في مجتمعاتنا العربية تصاعد معدلات الطلاق بشكل مخيف ووصول الحياة الزوجية إلى نقطة اللاعودة!؛ العلاقة الزوجية تمثل الطبقة الأعمق في علاقاتنا الخاصة، وهي ضالة الإنسان، فهو يبحث عنها في كل زمان ومكان وينشد السبل الآيلة إليها.

تلك الحياة الأسرية لها معايير جاذبية ومقاييس جمالية عندما تفتقر إليها فإن الانفصال الوجداني ومن ثم الذاتي هو الذي سيسجل حضوره في نهاية المطاف. وفي واقعنا الاجتماعي نلاحظ أن الطلاق كثيراً ما يسدل الستار ويضع حداً نهائياً لتلك العلاقة المقدسة. هذا الطلاق تتنوع أسبابه، فمنها ما يتعلق بالرجل ومنها ما يتعلق بالمرأة ومنها ما هو عائد إلى سوى ذلك. وسأشير هنا إلى أبرزها وعلى سبيل الإجمال..

أولاً: سوء الاختيار, فالتشتت والانفصال هما الحصاد المر لسوء الانتقاء. الزواج ليس علاقة بين فردين ولكنه بين عائلتين وبيئتين وبالتالي فالتجانس واجب بينهما, والاستعجال اللامدروس قد يقيم بيتاً ولكن على أركان واهية يجعل البيت في مهب الريح ينهار لأتفه الأسباب.

الثاني: عدم إجادة فن الحوار والحديث المتبادل حيث إن المحادثة الودية شرط جوهري للتدشين لعلاقة وجدانية ولرباط عاطفي متين يصل بين الشريكين. المحادثة لا تعني فقط إبداء وجهات النظر والإفصاح عن الرؤى والمفاهيم الذاتية وإنما تمتد إلى البوح بما يعتلّ بين الجوانح من مشاعر وأحاسيس. هناك بعض الرجال يتحرج من إظهار حبه لزوجته ويضيق ذرعاً بذلك ويعتقد أن فيه خدشاً لرجولته، ولا شك أن هذا اعتقاد غير منطقي، وفي الحياة النبوية نماذج جميلة وصور راقية من إفضاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى زوجاته بمشاعره. بعض الأزواج رازح تحت ما يمكن أن أسميه (وطأة الشح اللفظي) فهو يبخل بالكلام ولا يعبر عن أي رصيد مشاعري بل يشح على زوجته ولا يُسمعها الكلمات التي تحقق لها الارتواء الوجداني؛ يستثقل الثناء على طبخة أبدعت فيها زوجته, أو إطراء حفاوتها بأهله, ولا يفتح فمه بالتعبير عن تقديره على تفانيها في تدريس أبنائه أو قيامها بشؤون مأواه, ولا يمكن أن يحرك شفتيه معبراً عن إعجابه بتسريحة شعرها واعتنائها بهندامها؛ وإن أثنى ذات يوم فثناؤه موجه إلى زوجات أخر كنوع من استفزازها والتقليل من قيمتها, لديه نوع من الجلافة فوعيه مفتون بالتحطيم, لا يتقن إلا فن التثبيط وتصيد الهنات وإبداء مشاعر التذمر, لا يعرف التحفيز ولا يعترف بالتشجيع, مع أن هذا لا يكلف شيئاً, بالإضافة إلى أن الزوجة سينتابها شعور غامر بالنجاح يدفعها للاستمرار في سبيل إنجاز نجاحات مماثلة. فن المحادثة يعتمد على الإصغاء الجيد ودفع المتحدث لمواصلة بث بوحه وذلك من خلال الإقبال عليه وعدم مقاطعته. تلك المحادثة تغيب عندما يتدنى مستوى الثقة إلى درجة يتخلق جراءها فواصل نفسية وحواجز عميقة بين الزوجين على نحو يمهد لنقطة البدء في دورة سلبية حيث يحجم كل منهما عن الإفضاء إلى الآخر خوفاً من إفشاء سره فيما بعد, أو خوفاً من أن يوظف كلامه ضده في ساعات التنافر.

ثالثاً: عدم فهم كل طرف لطبيعة شخصية الآخر ومن ثم محاولة التكيف؛ الانسجام فور الارتباط النكاحي أمر في غاية الصعوبة فلا يتبلور دفعة واحدة وإنما على سبيل التدرج, واجتياز مرحلة من المحاولة والفشل. ووجود الرغبة الصادقة في التلاقي على كلمة سواء يفضي إلى نوع من العمل المتواصل بغية تجسيد التناغم البيني رويداً رويداً مع استدعاء عوامل الأناة والمثابرة في سبيل تحاشي مبلورات المشاكسة وتلافي دواعي المشاحنة وتأسيس المناخات المؤهّلة لإذكاء روح التواصل المترع بالزخم الوجداني. إنه لابد من أن نضع في اعتباراتنا أن ترشيد سير السفينة الزوجية مرهون بإبداء قدر عال من التنازل عن بعض القناعات الذهنية والأنماط السلوكية.

رابعاً: وجود الصندوق الأسود, حيث يجنح أحد الزوجين أو كلاهما إلى الاحتفاظ بذاكرة واسعة يتم فيها رصد كل مثالب الآخر وتدوين كل شاردة وواردة وتوثيق كل ما يمكن أن يشكل إدانة أو ثغرة يمكن النفاذ من خلالها, والاحتفاظ بذكريات مؤلمة يتم استدعاؤها فيما بعد! هذا الصندوق الأسود كثيراً ما يتم رصده ذهنياً لاستدعائه في مواقف الإضطرار عندما تحتد الخصومة وتشتد محفزات التلاسن. إن التصرف العقلاني يقتضي عدم تضخيم تلك المآخذ وتهويلها وإنما تقدر بقدرها مع ضرورة وضعها جنباً إلى جنب في عملية مقارنة مع الخصائص الإيجابية والتي إذا كانت على مستوى كبير من العمق فإنها تقضي على السلبيات, فالحسنات يذهبن السيئات وإلى جانب ذلك لابد من اصطفاء اللحظة الملائمة لاستعراض كل طرف مع الآخر ما يلاحظه من مآخذ وبدرجة عالية من اللباقة والتلطف وإثراء اللغة الودية تجنباً لجرح المشاعر والإشعار بالدونية.

خامساً: الغيرة المفرطة، فقد يكون أحد الطرفين لا همَّ له سوى تعقب حركات الآخر ووضعها تحت المجهر وتسليط الأضواء الكاشفة لتقصي أحواله وإثارة الشبهات حول أنماط سلوكه وارتفاع مستوى الغيرة من قرابته ومن يمت لهم بصلة. الاستقرار الأسري يكون على شفا جرف هار عندما تتحكم الغيرة لأنها تدفع صاحبها إلى ما لا يُحمد عقباه، هذه الغيرة أكثر ما تكون لدى المرأة فغيرتها غالباً ما تشتعل من دون مبرر على نحو يحيل الحياة المثالية في صفائها إلى جحيم متأجج لا يطاق؛ إن وجود قدر خفيف من الغيرة ضروري فالغيرة المعتدلة فاكهة الحياة الزوجية بل إن الحياة الزوجية بدونها تصبح كالطعام بلا ملح حيث تصعب استساغته ولكن يجب أن تكون بنسبة معتدلة حتى لا تبدد المعاني البناءة في الحياة الزوجية.

خامساً: اتساع دائرة التلاوم فبعض الأزواج لا يكف عن التذمر الذي كثيراً ما يمهد للملاسنة القائمة على أولوية التجافي عن السلوك المهذب والتى كثيراً ما ينجم جراءها احتكاكات حادة لا يليق وجودها في علاقة من أرقى العلاقات الإنسانية. تبادل اللوم يورث جواً قاتماً محطماً للأعصاب ومقوضاً لصرح المملكة الزوجية التى تقتضي شرائط نجاحها أشعار كل طرف للآخر بأنه قد حجز مكانه في محتوى القلب وأنه حتى ولو وقع في محذور فإن شريكه سيتطلع إلى التماس الأعذار له.

سادساً: عدم الاستقلالية في التصرف وعدم القدرة على اتخاذ القرار فهناك رجال يعانون من التردد وعدم الإقدام فلا يخطو خطوة إلا بعد أخذ الإذن من أهله الذين لا يرضون إلا بأن يكتب لهم تقارير متكاملة عن كل تحركاته في إطار علاقته الخاصة! بل هناك من يطلق زوجته من دون مبرر إلا النزول عند رغبة أهله باعتقاده أن هذا نوع من البر!! أيضاً عدم استقلال الزوجة عن أهلها كثيراً ما يرشحها لأن تحمل لقب مطلقة, هذه النوعية لا يثق فيها الزوج ولا يعتمد عليها بشيء ولا يمكن أن يفضي إليها بسر؛ لأنها تحمل روحاً طفولية تعيقها عن التصرف في شؤون حياتها إلا وفقاً لتوجيهات تُسدى إليها ومعلوم أن الرجل العاقل يتبرم بهذا ويشمئز من وقوعه لأنه لا يريد زوجة إمعية غبية يحركها غيرها ب(الريموت كنترول) وإنما يريد زوجة ذات وعي ناضج وشخصية استقلالية بعيدة عن الازدواجية حيث لا تتلون مواقفها تبعاً لوضعيتها المزاجية, وإنما ينبعث إقدامها وإحجامها عن عقلية متزنة وتفكير مرن. اعتماد الزوجة على غيرها يعني أنها غير مؤهلة للأمومة لأنها لا تستطيع بسبب هزال شخصيتها أن تربي أبناءها على نحو سليم. المرأة الناضجة لا تُشعر زوجها بأن هناك من تعتمد عليه غيره لأن هذا كفيل بنفوره منها وإنما تشعره بأنه نصفها الآخر الذي بإمكانها أن تستقل كلياً عن كل أحد سواه.





Abdalla_2015@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد