Al Jazirah NewsPaper Monday  27/07/2009 G Issue 13451
الأثنين 05 شعبان 1430   العدد  13451
استرعى انتباهي
الإعلام وصناعة الحياة.. مقاربة بني أنف الناقة
د.عبدالله بن ناصر الحمود

 

ليس ثمة مجال أو مهمة نالها من النقد والتجريح مثل ما نال مهمة الإعلام ووظيفة الإعلاميين. (مهنة المتاعب)، أو (السلطة الرابعة)، أو (صاحبة الجلالة)، كلها أسماء للصحافة بشكل خاص وللإعلام بشكل عام. والغريب الملاحظ أن مجمل مداخلات النقاد من غير المتخصصين (وهم الغالبية) أشبه بحال من يقول بما لا يعلم ويتحدث عما يجهل. فالإعلام المعاصر قد امتلك من.....

.....التقنيات والأدوات ما إن مخالبه لتنوء بالعصبة أولي القوة!! وباتت وسيلة الإعلام تفعل الأفاعيل في الناس والأشياء، فتقيم صروحاً من لا شيء وتهدم صروحاً من العز والكرم. تماماً كما فعل الإعلام يوم أدرك بنو أنف الناقة أن خلاصهم من العار إنما هو في الاستخدام الأمثل لإعلام عصرهم، فنقلوا مكانتهم بين قبائل العرب من القاع إلى القمة، وصار لهم شأن وشأو عظيمان، بعد أن كانوا مثار سخرية الناس من حولهم، مع أنهم (هم) لم يتغير فيهم شيء ولم يأتوا بجديد. ما أشبه الليلة بالبارحة، فنحن أمة حالنا اليوم أشبه بحال بني أنف الناقة، لكننا لم نهتد للطريق الذي اهتدى إليه القوم.. لا أقول أن نكذب أو ندلس على الناس.. ولكن أن ندرك حالنا تماماً كما أدركها (بنو الأنف)، أن من دونهم من هم بنو مناطق أخرى في ذات الناقة. ومن هنا، ما أحرى بنا أن ندرك أن ما كان لدينا مشين وقبيح، فإنه يقابله، لدى آخرين، ما هو أقبح منه وأدهى وأمر، لكننا تعودنا أن يرى بعضنا أو كثير منا قبيحنا قبيحاً، وحسننا قبيحاً، في حين يرون قبيح الآخرين أمراً معتاداً وفي حسنهم الكمال والتمام. ولو تمعنا قليلاً لأدركنا أن من بين أهم أدوات القوم أنهم، فقط، أجادوا استخدام الإعلام عندهم والإعلام الموجه إلينا فأوحوا إلينا أنهم بنو أنف الناقة بينما نحن بنو شيء آخر في ذات الناقة. سبقناهم بها، لكنهم أجادوها بعدنا. والسر الأكبر في الموضوع كله، أننا لم ندرك بعد رغم كل ما نقدمه نقداً في حق الإعلام، أن للإعلام شعاباً لا يعرفها غير أهله، وأن أهل الإعلام أدرى بشعابه!!. فالإعلام ضليع في (صناعة الحياة)، لكنه أيضاً خطير حين يهدمها. والمحزن، أنه يهدمها بغير أدوات الفعل في مجمل القوى الأخرى، فيكفي أن لا يعرف شخص أو لا تعرف جماعة أو لا يعرف بلد كيف يوظّف الإعلام لصالحه لينقلب الحال عليه، جراء معرفة الآخرين كيف هو الإعلام، فيعطونه ما يحتاجه ليؤدي دوره الكبير جداً في صناعة الحياة. ومن هنا يمكن أن نفهم أو أننا نقترب من فهم كيف يتم شراء باقات إعلامية كثيرة لتقوم بدور كبير في (صناعة حياة بمواصفات خاصة غالباً ما تنجح أداة الإعلام في تحقيقها، في حين تخفق دول ومجتمعات في أن تكون لها كلمة مسموعة أو مشهد مشاهد. ومن هنا أيضاً ندرك كيف تتسابق القنوات على استضافة أسماء تدفع لها مبالغ طائلة، في حين يتهافت آخرون على الخروج المجاني في قنوات أخرى دون أن يكون لخروجهم أثر ملحوظ على مسيرة الكون والحياة فيه.

وخلاصة الأمر أن المجتمعات التقليدية لن تستطيع أن تكون غير ذلك ما لم تعرف كيف تكون (صناعة الإعلام) ولن تعرف كيف هي صناعة الإعلام ما لم تدرك حقيقة صناعته للحياة ولن تتمكّن من هذا السر الكبير حتى تتخلّص من المساواة بين توصيف وتوظيف وحقوق وواجبات الإعلاميين وغيرهم من منسوبي الخدمة المدنية في عالمنا العربي وأمثاله ممن فاتهم كثير من فنون صناعة الحياة، فقط لأنهم أرادوا صناعتها بغير أدواتها ورجالها ونسائها، فباتت مجرد أماني القوم عندنا، في حين أبدع آخرون في تسخير (الترسانة) الإعلامية لدك حصوننا من كل حدب وصوب. والمضحك المبكي أنهم لا يزالون ناجحين.. في حين أننا لا نزال نتساءل عن (مشروعية) مجرد استخدام بعض (وسائل إعلام) عندنا، لنفيق، بعد أن نصل للقول الفصل في مشروعيتها، فنرى، من جديد، أنهم بنو أنف الناقة، (ومن يساوي بأنف الناقة الذنبا).



alhumoodmail@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد