في ليلة أمس سعدت بحضور حفل زواج ابن أحد من أبادلهم المودّة والإخاء، ومن محاسن حضور مناسبات الزواج وأمثالها من المناسبات السعيدة - إضافة إلى فضيلة تلبية الدعوة إليها المأمور بها- أن يلتقي المرء بمن يسرُّه تجديد اللقاء بهم، ويضيف.....
|
.....آخرين إلى مكاسب معرفتهم بالأخيار، وكان ممن التقيت به البارحة أخ كريم ذكَّرني بقصيدة نشرتها قبل خمسين عاما.
|
وكانت تلك القصيدة من بين عدة قصائد كتبتها ونشرتها في تلك الفترة معبرة عن مشاعري تجاه أمور أغلبها اجتماعية مختلفة الوجوه، ومن بين تلك الأمور ما لا تزال سائدة حتى الآن، ومطلع تلك القصيدة:
|
حتَّام أسبح في الأسى المهتاجِ |
وأهيم في ليل الشقاء الداجي؟ |
وإلامَ تنهكني الهموم فمهجتي |
حيرى ودربي غامض المنهاج؟ |
|
يا ويلتا أغدو وملء جوانحي |
ألمٌ يبث الشوك عبر فجاجي |
وأظل تنتهب الخواطر مهجتي |
وأعود، محتدم الأسى، أدراجي |
حتى إذا جنَّ الظلام وجلَّلت |
أثوابه السود المحيط الساجي |
وغفا الأنام فكل شيء هادئ |
أوقدت في بيتي القديم سراجي |
وكان ذلك البيت قديماً فعلاً، وإن كان أحد جدرانه قد صمد سنين عدداً رغم ميلانه المخيف، كما أن الكهرباء كانت بعيدة كل البعد عن الوصول إليه شأنه شأن البيوت الأخرى من أمثاله، أما ما بعد إيقاد ذلك السراج فكان جلوسي:
|
تعباً أدوِّن في الطروس خواطري |
وأدق للأسرار كلَّ رتاج |
متأمِّلاً سر التناقض في الورى |
والفرق بين المرتَجى والراجي |
والناس بين ممرَّغ فوق الثرى |
ومرفَّهٌ في ناعم الديباج |
ومعذَّب في الكوخ يقتله الطوى |
ومنعَّم يزهو ببرجٍ عاجي |
يمشي مع الأسواق في نظرائه |
سيما التكبُّر وارم الأوداج |
شزراً يحدِّق في الأنام كأنهم |
ليسوا لديه سوى قطيع نعاج |
وكان ختام القصيدة كما يأتي: |
ربَّاه أعياني التأمل واختفى |
عني العلاج وأنت خير علاج |
فاسكب على روحي شآبيب الهدى |
وأنر فؤادي بالسنا الوهَّاج |
وانشر عدالتك السنية في الورى |
حتى تزول شقاوة المحتاج |
وكان من تلك القصائد قصيدة عنوانها: لِمَ لا؟ ومطلعها:
|
ركب الأسى المضني وركب سهادي |
في ليلي الداجي على ميعاد |
وفدان كم نزلا إذا غشي الدجى |
نفسي وكم حلاَّ صميم فؤادي |
|
ما لي ولم تكن الخطوب تهزُّني |
ضعفتْ مقاومتي وخار جلادي |
فمنحت للألم المروّع مهجتي |
وتركت في كفِّ الشقاء قيادي |
|
صوت من الماضي البعيد يهيب بي |
(الصبر للمهموم خير عتاد) |
لكن أرزاء تطوِّق حاضري |
جعلت نداء الأمس صيحة واد |
لِمَ لا ومن حولي نعيق يختفي |
في صوته رجع الطروب الشادي؟ |
لِمَ لا وما في الأفق إلا شرعة |
عُكِست وغيٌّ في إهاب رشاد؟ |
لِمَ لا ومن حولي تُسنُّ قواعد |
لأرى المحيط يعج بالأضداد؟ |
وأرى يد الجلاد تقطر من دمي |
فأبوس في شغف يد الجلاد؟ |
وكنت أرى حينذاك أن من أعتى جلادي أمتنا بطرق مباشرة حيناً وغير مباشرة حيناً آخر قادة الغرب، وفي طليعتهم قادة أمريكا، وما أزال أرى ذلك الرأي.
|
ومن تلك القصائد قصيدة عنوانها (بائسة) ختم الحديث عن معاناتها بالقول:
|
كانتْ وما برحتْ تجالد حسرة بين الضلوع
|
ترنو فيغمض مقلتيها منظر العدل الصريع
|
فئة تظلِّلها السعادة بين أزهار الربيع
|
شبَّت وشابت في النعيم وحولها أخرى تجوع
|
ولْهى تفتِّش عن فتات العيش بالدم والدموع
|
.. وهنا أودِّع الجميع، آملاً اللقاء على أحسن حال وأهدأ بال.
|
|